كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 2)

والحصول في هذا الحد هو بقاء للنفس كما وصفنا إلى مالا نهاية له ببقاء الباري- جل اسمه- وهذا هو الخير العظيم الذي لا خير يقاس به، ولا لذة يمثل بها، وكيف يمثل الدائم. مما لا نهاية له بالشيء المنقطع! وهو قوله تعالى في نص التوراة: لكي يطيب لك في العالم الذي كله طيب، وتطيل أيامك في العالم الذي كله طائل، والشقاوة الكاملة هو انقطاع النفس وتلافها، وأن لا يحصل باقية، وهو القطع المذكور في التوراة كما يبن. وقال انقطاعا ينقطع من هذا العالم، وينقطع من العالم المستقبل، فكل من خلد إلى اللذات [8] الجسمانية، ونبذ الحق، وآثر الباطل انقطع من ذلك البقاء والعلو، ويبقى مادة منقطعة فقط.
وقد قال النبي يشعيا: إن العالم المستقبل ليس يدرك بالحواس وهو قوله: لا عين تقدر أن تراه. وأما الوعد والوعيد المذكور في التوراة في لذات هذا العالم فتأويله ما أصف لك، وذلك أنه يقول لك: إن امتثلت هذه الشرائع نعينك على امتثالها والكمال فيها، ونقطع عنك العلائق كفها، لأن الإنسان لا يمكنه العبادة لا مريض، ولا جائع، ولا عاطش، ولا في فتنة، فوعد بزوال هذه كلها، وأنهم يصحون ويتذهنون حتى تكمل لهم المعرفة، ويلتحقون بالعالم المستقبل، فليس غاية التوراة أن تخصب الأرض، وتطول الأعمار، وتصح الأجسام، وإنما يعان على امتثالها هذه الأشياء كلها.
وكذلك إن تعدوا كان عقابهم أن تحدت عليهم تلك العوائق كلها حتى لا يمكن أن يعملوا صالحة، فإذا تأملت هذا التأمل العجيب تجده كأنه يقول: إن فعلت بعض هذه

الصفحة 578