كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 2)

الشرائع. بمحبة وحرص نعينك عليها كلها، بأن نزيل عنك العوائق والموانع، وإن ضيعت منها بعضها استخفافا نجلب عليك موانع تمنعك من جميعها، حتى لا يحصل لك كلام ولا بقاء ... انتهى.
فهذا خلاصه كلام الملعون ابن ميمون زنديق اليهود، وغاية ما جاء به قد أوردناه لك هاهنا لتعرف أنه لم يربطه بشيء من كلام الله- سبحانه- يصفح دليلا عليه، بل هو مجرد زندقة، والتوراة والزبور والإنجيل منادية بخلافه. وهانحن نوضح لك فسماد كلامه فنقول: أولاً: إن حصول هذه اللذة النفسانية (¬1) التي ذكرها لا تنافي حصول اللذة الجسسمانية
¬_________
(¬1) قال ابن تيمية في مجموع فتاوى (4/ 312 - 314): الأكل والشرب في الجنة: ثابت بكتاب الله وسنة رسوله، وإجماع المسلمين وهو معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، وكذلك الطيور والقصور في الجنة بلا ريب كما وصف ذلك في الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذلك أن أهل الجنة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يبصقون، لم يخالف من المؤمنين بالله ورسوله أحد، وإنما المخالف في ذلك أحد رجلين إما كافر، وإما منافق.
أما الكافر فإن اليهود والنصارى ينكرون الأكل والشرب والنكاح في الجنة يزعمون أن أهل الجنة إنما يتمتعون بالأصوات المطربة والأرواح الطيبة مع نعيم الأرواح، وهم يقرون مع ذلك بحشر الأجساد مع الأرواح ونعيمها وعذابها. .
وأما طوائف من الكفار وغيرهم من الصابئة والفلاسفة ومن وافقهم فيقرون بحشر الأرواح فقط، وأن النعيم والعذاب للأرواح فقط. .
وطوائف من الكفار والمشركين وغيرهم ينكرون المعاد بالكلية، فلا يقرون: لا معاد الأرواح، ولا الأجساد، وقد بين الله تعالى في كتابه على لسان رسوله أمر معاد الأرواح والأجساد، ورد على الكافرين والمنكرين لشيء من ذلك بيانا في غاية التمام والكمال.
وأما المنافقون من هذه الأمة الذين لا يقرون بألفاظ القرآن والسنة المشهورة فإنهم يحرفون الكلم عن مواضعه، ويقولون هذه أمثال ضربت لنفهم المعاد الروحاني، وهؤلاء مثل القرامطة الباطنية الدين قولهم مؤلف من قول المجوس والصابئة، ومثل المتفلسفة الصابئة المنتسبين إلى الإسلام وطائفة ممن ضاهوهم من كاتب أو متطبب أو متكلم أو متصوف. .
فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين ذلك بيانا شافيا قاطعا للعذر وتواتر دلك عند أمته خاصها وعامها، وقد ناظره بعض اليهود في جنس هذه المسألة وقال: يا محمد! أنت تقول: أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ومن يأكل ويشرب لابد له من خلاء. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رشح كرشح المسك ".
أخرجه أحمد (4/ 467، 371) والحديث له اصل في الصحيحين من حديث أبي هريرة من نحير ذكر القصة. البخاري رقم (3245) ومسلم رقم
(17). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوطون آنيتهم فيها الذهب، أمشاطهم من الذهب والفضة ومجامرهم الألوة ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد يسبحون الله بكرة وعشيا".
وانظر: كتاب " حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح أو صفة الجنة " لابن قيم الجوزية.

الصفحة 579