كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 2)

مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر " (¬1). ومثله ما في القرآن الكريم من قوله تعالى: {فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين} (¬2).
وأما قوله: وهكذا قال العلماء: العالم المستقبل ليس فيه لا أكل ولا شرب .... إلخ. فيقال: إن أردت علماء الملة اليهودية فهم الذين لعنوك وكفروك بسبب هذه المقالة كما قدمنا، وهم يخالفونك ويثبتون المعاد الجسماني، واللذات الجسمانيه، ويكفرون من لم يثبتها كما كفروك، ويلعنونه كما لعنوك. وإن أراد علماء الملة النصرانية، أو علماء الملة الإسلامية فكذب بحت، وزور محض، تدفعه نصوص القرآن والإنجيل.
أما نصوص القرآن فهو من فاتحته إلى خاتمته مصرح بالجنة والنار، وبعثة الأجسام وتنعمها بالمطعم والمشرب والمنكح وغير ذلك، أو تعذيبها. مما اشتمل عليه القران من تلك الأنواع. وأما الإنجيل فقد قدمنا سياق نصوصه. وأما احتجاجه بنص التوراة [10] بقوله: لكي يطيب لك في العالم الذي كله طيب، وتطيل أيامك في العالم الذي كله طائل. فهذا دليل على الملعون ابن ميمون لاله؛ فإن الخطاب في الدنيا. مجموع الشخص الذي هو الجسم والروح، وظاهره أنه يكون له هذا على الصفة التي خوطب، وهو عليها. ومن زعم أن يكون ذلك لبعضه فهو يدعي خلاف الظاهر، ولكن المحرف المتزندق لا مقصد له إلا التلبيس على أهل الأديان.
وكذلك قوله: وقد قال النبي يشيعا أن العالم المستقبل ليسر يدرك بالحواس. وهو قوله: لا عين تقدر تراه، فإن هذا هو مثل ما قدمنا من كلام الأنبياء في استعظام ما أعد الله لعباده الصالحين في الدار الآخرة.
وهذا تعرف أنه لم يكن في كلام هذا الملعون الزنديق ما يتمسك به متمسك، أو يغتر به مغتر، بل هو خلاف ما في كتب الله جميعا كما قدمنا، وخلاف ما عند علماء
¬_________
(¬1) أخرجه البخاري رقم (3244) ومسلم رقم (2824).
(¬2) [السجدة: 17]

الصفحة 581