كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 11)

وأما العباد فهم بمعزل عن ذلك، وأنى لهم العلم بالمفاضلة [3أ] بين أنبياء الله وصفوته من خلقه، وخيرته من عباده!.
فإن قلت: فما يقول في مثل هذا النهي العام؟
قلت: إن كان التاريخ معلوماً غير مجهول فقد يقال: إنه إذا كان المتأخر النهي؛ فينبغي التورع عن التفضيل بينهم على العموم (¬1)، وقد يقال: إنه يحمل هذا العموم على النهي عن التفضيل لبعض الأنبياء على بعض، وأما نبينا الصادق المصدوق - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فقد أخرج نفسه من ذلك العموم بقوله: " أنا سيد ولد آدم " (¬2). وقد تقرر أنه يبنى العموم على الخصوص إذا شمله العموم على طريقة الظهور كما في هذا المقام، فإنه لما صرح أنه سيد ولد آدم بهذه الصفة الخاصة به، الشاملة لجميع بني آدم، ثم جاء بعدها النهي الشامل له بطريق الظهور لا بطريق الخصوصية كان خارجاً من ذلك العموم بهذا الخصوص، وأما إذا كان إخباره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بأنه سيد ولد آدم متأخراً عن النهي؛ فخروجه من النهي ظاهر واضح، ويحمل ما تقدم من النهي على أنه لم يعلم بهذه السيادة العاملة الشاملة الثابتة له على جميع ولد آدم إلا بعد صدور ذلك النهي (¬3)، وأما إذا كان التاريخ مجهولاً؛ فبناء العام على الخاص متعين، حتى قيل: إنه إجماع كما وقع
¬_________
(¬1) قال القرطبي في " المفهم " (6/ 228 - 229). ويتضمن هذا الكلام أن الحديث معارض - لا تخيروا بين الأنبياء - لقوله تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) [البقرة: 253]. ولما في معنى ذلك من الأحاديث وأن القرآن ناسخ للمنع من التفضيل، وهذا لا يصح حتى تتحقق المعارضة حيث لا يمكن الجمع بوجه ومتى يعرف التاريخ، وكل ذلك غير صحيح.
(¬2) تقدم تخريجه.
(¬3) انظر: " فتح الباري " (6/ 452).

الصفحة 5817