كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 12)

وقد رواه (¬1) في مجمع الزوائد (¬2) من حديث أبي مسعود، وعمار بن ياسر، وابن عباس، وعبد الله بن الحارث، وأبي هريرة. ومعنى رغم أنفُه الدعاءُ عليه بالذلِّ والهوانِ إذا لم يفعل ذلك، ولا يدعى بالذل والهوان إلاَّ على من تركَ واجبًا، وفي النصِّ [2أ] ألفاظُ هذه الأحاديث التي أشرنا إليها: «بَعُد من ذكرت عنده فلم يصلِّ عليَّ» (¬3) إلى آخر ما في الحديث المذكور. والبعدُ ضدُّ القربِ، وطلب القرب فضيلةٌ مؤكدة إنْ لم يكن واجبًا، ويمكن أن يقال في هذا الحديث من هذه الطرقِ ما قيل في الحديثين الأولينِ، لأنه لم يضرَّ إلاَّ نفسَه بما يحرِمُها من الأجر والدعاء عليه برغامِ الأنفِ كالدعاء بمثل: تَربَتْ يمينُه أو زيادة عليه بما لا يفيدُ ما يفيد به الوجوب، من أنه يأثم على التركِ، ويُعاقَبُ عليه. واقتران ذلك بمن لم يُغفرْ له في رمضانَ، ومن لم يدخله أبواه الجنة (¬4) يفيد أنه أمرٌ مؤكد، ويمكن دلالةُ الاقترانِ لا تفيد الوجوبَ إلاَّ لقرينة فقد قال الله عز وجل ـ: {إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34)} (¬5) فقرن الحضَّ على طعام المسكين وهو ليس بواجب بنفي الإيمان، وهو رأس الواجبات،
¬_________
(¬1) أي الهيثمي.
(¬2) (10/ 165).
وانظر: (فتح الباري) (11/ 168).
(¬3) أخرج الحاكم (4/ 153) وصححه ووافقه الذهبي عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «احضروا المنبر، فحضرنا، فلمَّا ارتقى درجةً قال: آمين، فلمّا ارتقى الدرجة الثانية قال: آمين، فلمّا ارتقى الدرجة الثالثة قال: آمين فلما نزل قلنا: يا رسول الله! لقد سمعنا منك اليوم شيئًا ما كنا نسمعه. قال: إنَّ جبريل عليه السلام عرض لي، فقال بَعُدَ من أدرك رمضان فلم يغفر له. فقلت: آمين! فلما رقيت الثانية قال: بَعُدَ من أدرك أبويه الكبر عنده أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة قلت: آمين».
وهو حديث صحيح.
(¬4) انظر التعليقة السابقة.
(¬5) [الحاقة: 33، 34].

الصفحة 5840