كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 12)
وفي الصحيح (¬1) أنها لما نزلت جاء جماعة من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ إليه ـ عليه وآله الصلاة والسلام ـ فقالوا: يا رسول الله قد عرفنا السلامَ عليك، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلَّينا؟ فقال: «قولوا: اللهمَّ صلَّ على محمد وعلى آل محمد». إلخ. الرواية على اختلاف ألفاظها، وفي جميعها التصريحُ بأنَّ الصلاة على الجملة الإنشائية الطلبيةِ. (¬2)
وإذا تقرر هذا فلم أكَدْ أسمعُ، بل وكأني به لم يقع من أحد من المحدثين، ولا غرمتم في قراءة ولا كتب سوى أنه إذا ذكر ـ عليه وآله الصلاة والسلام ـ قال الذاكر هكذا: ـ صلي الله عليه وآله وسلم. وهذه جملة خبريةٌ تفيد الإخبارَ بوقوع صلاة وسلامٍ من الله ـ عز وجل ـ لا أنها تفيدُ أحداثَ صلاة في الحال كما هو لفظهُ.
فإن قيل هذا من باب تنزيل المطلوبِ وقوعُه بمنزلةِ الواقعِ كما إذا قيل لك: ادع لفلان.
فقلت: غفر الله له، فكأنك تريد أن تقولَ: اللهم اغفر له، فنزَّلتَ المطلوبَ وقوعُه بمنزلة كأنه قد طلب ووقع. (¬3)
قلت: هاهنا فرق واضح هو أن الصلاة عليه وآله معلومةُ الوقوعِ من الله ـ سبحانه ـ فالإخبار بوقوعها تحصيلُ حاصل، ولا كذلك طلبُ المغفرة لزيد لنحو حديث: «ولا أنا
¬_________
(¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4797) و (4798) وقد تقدم.
انظر الرسالة (191، 192).
(¬2) انظر: (إعراب القرآن الكريم) محيي الدين الدرويش (8/ 42 ـ 43).
(¬3) في هامش المخطوط: الجواب على السؤال أن يقول: قول المصلي: صلي الله عليه مكان اللهمَّ صلِّ عليه. مثل قول القائل: غفر الله له مكان اللهم اغفر له، ولا فرق لا واضح ولا خفي. قولك الصلاة عليه وآله معلومةُ الوقوع إن أردت بالمعلومة الوقوع هذه التي أنشأها المصلِّي بقوله: صلي الله عليه مكان اللهم صلِّ عليه فممنوع لأنَّه إنشاء والتنزيل بمنزلة الواقع لا يصيِّره واقعًا فإنَّه تحصيل حاصل وإن أردت بالمعلومة الواقع غيرها فمسلم ولا يضر فافهم. والله أعلم.