كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 12)

النمل» (¬1) فالمراؤن آمنوا بالله حالَ كونهم مشركينَ بالرياء.
وأخرج الإمام أحمدُ في المسند (¬2) من حديث محمود بن لبيدٍ أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ـ قال: «إن أخوف ما أخافُ عليكم الشركَ الأصغرَ» قالوا: وما الشركُ الأصغر يا رسول الله؟ قال: «الرياء يقول الله يومَ القيامة إذا جُزي الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتُم ترآؤن في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟ .. ».
الوجه السادس: (¬3) إن المراد بالآية من نَسِيَ ربَّه في الرخاء، وذكره عند الشدائدِ .. روي ذلك عن عطاء، وفيه أنه لا يصدقُ على ذلك أنه آمن بالله حالَ كونه مشركًا إلاَّ أن يجعلَ مجرَّدَ نسيانِ الذكرِ والدعاء عند الرخاء شركًا مجازًا، كأنه بنسيانهِ وتركِه للدعاء قد عَبدَ إلهًا آخر، وهو بعيدٌ على أنه لا يمكن اجتماعُ الأمرينِ، لأنه حالَ الذكر والدعاء غير متَّصفٍ بالنسيانِ، وتركِ الذِّكْرِ.
وقد تقرر أن الحالَ قيدٌ في عاملها إلا أن يعتبرَ بما كان عليهِ الشيءُ، فإن ذلك أحدُ العلاقاتِ المصححةِ للتجوَّزِ. ويدل عليه قولُه تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}. (¬4)
الوجه السابع: إن المراد من أسْلَمَ من المشركين، فإنه كان مشركًا قبل إِيمانه. حكى ذلك الحاكمُ في تفسيره وتقريره إنَّه ما يؤمن أحدُهم بالله إلا وقد كان مشركًا قبل إيمانِه
¬_________
(¬1) أخرجه أحمد (4/ 403).
وهو حديث حسن لغيره. وقد تقدم. من حديث أبي موسى الأشعري.
(¬2) أخرجه أحمد (5/ 428)، والبيهقي في (الشعب) رقم (4831).
وهو حديث صحيح.
انظر: (تفسير القرآن العظيم) لابن كثير (4/ 420).
(¬3) ذكره القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن) (9/ 273).
(¬4) [العنكبوت: 65].

الصفحة 6227