كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 12)

قال السائل ـ كثر الله فوائده ـ ...
السؤال الثامن: ما يقول القاضي في أخوين: أحدُهما بالمشرقِ والآخَرُ بالمغربِ، فتوفيَّا في يومِ جمعةٍ حين زالت الشمسُ، فهل يحكُم بتوريثِ أحدِهما من الآخَرِ أم لا؟.
أقول: إن كلامَ أهل العلم في هذه المسألةِ معروفٌ، والذي عندي أنه إذا علم خروجُ روحَيْهما في لحظةٍ واحدةٍ بدون تقدُّمٍ ولا تأخُّرٍ أصلاً فلا توارُثَ بينَهما، بل ميراثُ كلِ واحد منهما لورثتِهِ الأحياء، وإن لم يُعْلَمْ ذلك، بل الْتَبَسَ فالواجبُ أن يكون العملُ فيهما كالعملِ في الغرقاء والهدماء حسبما هو مذكور في علم المواريثِ، فيجب تقدير موتِ كلِّ واحد منهما عن ورثتِه الأحياء والأمواتِ، ثم عن ورثتهِ الأحياء فقط، ثم يفرضُ موتُ كلِّ واحد منهما عن النصيبِ الذي ورثَه من الآخرِ، هذا أرجحُ ما يقالُ في مثل ذلك، وبه يحصل الوفاءُ بما شرعهُ الله ـ سبحانه ـ من التوريثِ والسلامةِ عن الوقوعِ في الوعيد الواردِ في من قطع ميراث وارثٍ. والكلامُ في مثل هذا فقد استوفاه علماءُ الفراضِ في مؤلَّفاتهم. (¬1)
¬_________
(¬1) قال ابن قدامة في (المغني) (9/ 170 ـ 171): وجملةُ ذلك أن المتوارثين إذا ماتا، فجهل أوَّلهما موتًا، فإن أحمد قال: اذهب إلى قول عمر، وعلى وشريح وإبراهيم والشَّعبيِّ: يرث بعضهم من بعض، يعني من تلادِ ماله دون طارفه وهو ما ورثه من حيث معه. وهذا وقل من ذكره الإمام أحمد، وهو قول إياس بن عبد المزنيِّ، وعطاء، والحسن، وحميد الأعرج، وعبد الله بن عتبة وابن أبي ليلى، والحسن بن صالح، وشريك ويحيى بن آدم وإسحاق، وحكى ذلك عن ابن مسعود.
قال الشعبي: وقع الطاعون بالشام عام عمواس، فجعل أهل البيت يموتون عن آخرهم، فكتب في ذلك إلى عمر رضي الله عنه فكتب عمر: أنْ ورِّثوا بعضهم من بعض.
وروي عن أبي بكر الصديق وزيد، وابن عباس، ومعاذ، والحسين بن علي رضي الله عنهم آنّهم لم يورِّثوا بعضهم من بعض، وجعلوا لكل واحدٍ للأحياء من ورثته. وبه قال عمر بن عبد العزيز، وأبو الزِّناد، والزُّهري، والأوزاعي، ومالك، والشافعي رضي الله عنهم، وأبو حنيفة، وأصحابه، ويروى ذلك عن عمر، والحسن البصري وراشد بن سعد وحكيم بن عمير وعبد الرحمن بن عون. وروي عن أحمد ما يدلُّ عليه. انظر مزيد تفصيل (المغني) (9/ 171). وإذا علم خروج روحهما معًا في حال واحدة، لم يرث أحدهما صاحبه وورث كل واحدٍ الأحياء من ورثته لأنَّ توريثه مشروط بحياته بعده، وقد علم انتفاء ذلك. انظر: المصدر السابق.

الصفحة 6247