كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 12)

وصفَه بالمضروب، هل الفائدةُ أوقعَ [9أ] في القلوب، ولمَ اختار لفظ الصُّرَّة على ما يقوم مقامَها؟ بيّنوا سرَّه، ولم قدَّم لفظ المرورِ على ما يرادفه مما على الألسنة يدورُ، ولم جاء به مضارعًا دون ماضٍ، وهل زمانه الحال، أو الاستقبالُ، أو الاستمرار، وما عليهما من الاعتراض، وهل المرور الانطلاق فكيفَ قيَّده به، وتقييد الشيء بنفسِه منعَه الاتفاقُ، وهل يصح الاستشهاد بهذا البيت للحشوِ والتطويلِ والإيجازِ، وأين موضع كلِّ يا نبيل؟
أقول: ما تأثير لفظ يألفُ فلدلالته على طول مدَّةِ البقاء مع المحبَّة كما هو شأن البخيلِ، فإن دِرْهَمَهُ يألفُ صرَّته إلفًا لا يتفارقان عنده إلاَّ في النادرِ الشاذ، فاثبت للممدوح صفةً تخالف صفةَ البخيل، فإنْ قلتَ: نفي الألف الذي هو طول مدة البقاء مع المحبةِ قد دلَّ على أنَّ ذلك الدرهَم يلبثُ في صرة الممدوح لبثًا ليس بالطويلِ، ومجرَّد اللبث يخالفُ الوصفَ المادحَ.
قلت: قد حصل المدح بمجرد عدم الألفِ، وفرقٌ بين من يألفُ الدرهمُ صُرَّتهُ وقتًا يسيرًا ثم يخرج في وجوه الشرفِ، وطرائق المجدِ، وأيضًا قد عقب هذا الذي قلتَ أنه تقيد لبثًا ما بما يقلعُ ذلك الفهمَ من أصله، ويجتثه من مغرسِهِ، فقال لكن يمرُّ عليها وهو منطلقُ فأشْعَرَ هذا بأنه لا لُبْثَ له ظاهر، فاندفع ما فهمتَه تلويحًا بما تعقبَّه تصريحًا.
قوله: ولمَ أتي الدرهم دون الدينارِ؟ وجه ذلك لأنه لو جاء بالدينارِ لا نكسرَ الشعرِ، ولا يطلبُ للشاعر نكتةٌ في تجنب اللفظِِ الذي ينكسِرُ به شعرُه، بل في تأثير لفظ على لفظ يفيدُه معناه، ولا ينكسر البيتُ به [9ب]، ثم لذكر الدرهمِ على تقدير أنه لا ينكسِرُ الشعر بالدينار وجهٌ واضح، وهو كونُه قد تقدم ذكر الدرهم في البيت الذي قبلَه، وهو قوله:
كأنَّا إذا اجتمعتْ يومًا دراهِمُنا ... ظلَّت إلى طرقِ الخيرات تستبقُ
وقوله: وبلا دون ما ولم يجاب عنه بأنَّ لا موضوعةٌ لنفي المستقبلِ والحالِ، وهو المعنى الذي يتأدّى به المدُح بنا، لأنَّ ذلك يفيد أنه لم يألفْ صرَّتَه الدرهمُ في الحال، ولا

الصفحة 6274