كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 12)

في جيحانَ وجيحونَ، وإنما خصصَ نهر جيحون بخوارزم لما عرفتَ من أنه لا ينتفعُ به إلا خوارزمُ.
وبالجملة فما ذكره صاحب القاموس هو ما ذكره مَنْ قبلَه من هؤلاء الأئمةِ، فإن حاصل ما يستفادُ من كلامهم المغايرةُ بين جيحانَ وجيحون، وإن كلَّ واحد منهما بالمكان الذي ذكره، وأما تعيين النهر الذي من الجنة منهما فقد عيَّنه المفسِّرون لما وقع في كلام النبوةِ، وأنه جيحانُ كما تقدم عن صاحب النهاية (¬1) وغيرهِ، وعذرُ صاحبِ القاموس في عدم تعيين النهرِ الذي من الجنة منهما هو ما قدمنا في سيحانَ وجيحانَ، فالنهرانِ اللذانِ من الجنة هما سيحانُ وجيحانُ، لا سيحونُ وجيحونُ كما تقدم بيانُه، وهو ثابت في الصحيح (¬2) بلفظ: «سيحانُ وجيحانُ».
¬_________
(¬1) (1/ 323 ـ 324).
(¬2) عند مسلم في صحيحه رقم (26/ 2839).
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (17/ 176 ـ 177): قوله صلي الله عليه وسلم: «سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة» اعلم أن سيحان وجيحان غير سيحون وجيحون، فأمَّا سيحان وجيحان المذكوران في هذا الحديث اللذان هما من أنهار الجنة في بلاد الأرمن فجيحان نهر المصيصة وسيحان نهر إذنة وهما نهران عظيمان جدًّا أكبرهما جيحان فهذا هو الصواب في موضعهما.
وأمّا قوله الجوهري في صحاحه (2/ 433): جيحان نهر بالشام فغلط أو أنَّه أراد المجاز من حيث أنه ببلاد الأرمن وهي مجاورة للشام، قال الحازمي: سيحان نهر عند المصيصة قال وهو غير سيحون. وقال صاحب (النهاية) ـ (1/ 323 ـ 324) ـ سيحانه وجيحان نهران بالعواصم عند المصيصة وطرطوس، واتفقوا كلهم على أن جيحون بالواو نهر خراسان عند بلخ، واتفقوا على أنَّه غير جيحون وكذلك سيحون غير سيحان وأمّا قول القاضي عياض هذه الأنهار الأربعة أكبر أنهار بلاد الإسلام فالنيل بمصر والفرات بالعراق، وسيحان وجيحان ويقال سيحون وجيحون ببلاد خراسان ففي كلامه إنكار من أوجه:
أحدها: قوله الفرات بالعراق وليس بل هو فاصل بين الشام والجزيرة.
والثاني: قوله سيحان وجيحان يقال سيحون وجيحون فجعل الأسماء مترادفه وليس كذلك بل سيحان غير سيحون وجيحان غير جيحون باتفاق الناس.
الثالث: أنَّه ببلاد خراسان وأمَّا سيحان وجيحان ببلاد الأرمن بقرب الشام والله أعلم. وأما كون هذه الأنهار من ماء الجنة ففيه تأويلات ذكرهما القاضي عياض ـ في (إكمال المعلم بفوائد مسلم) (8/ 372) ـ:
أحدهما: أن الإيمان عم بلادها وفاض عليها، وأنَّ الأجسام المتغذية بهذه المياه صائرة إلى الجنة.
الثاني: وهو الأصح أنه على ظاهره، وأنَّ لها مادة من الجنة، إذ الجنة موجودة مخلوقة عند أهل السنة وانها التي أنزل منها آدم.
وقد ذكر مسلم أول الكتاب في حديث الإسراء: أنّ النيل والفرات يخرجان من أصلها، وبينه في البخاري (4/ 134) فقال: من أصل سدرة المنتهى.

الصفحة 6328