كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 12)

كل العجبِ الذي ذكره ـ عافاه الله ـ بقوله: والعجبُ كلَّ العجبِ وانتفاؤُه من وجهينِ:
الأول: إن الكلامَ محكيٌّ عن الغير.
الثاني: أنه مستفادٌ من كلام النبوة.
قال ـ كثر الله فوائده ـ: ليس لأحد أن يقولَ ذلك ...
أقول: هكذا هو، ولكن الكلامَ الباطلَ لا بدَّ من دفْعِهِ بما يقبلُهُ السامعُ، لا بمجرَّد الدَّعوى بأنه باطلٌ، فإن ذلك لا يفيدُ من قصَّر عن تعقُّل الحججِ وترتيبِ المقدماتِ الموصلةِ إلى البرهانِ، فلهذا [20] تعرَّضنا لدفعهِ.
قال ـ كثر الله فوائده ـ: وكلامُهُ مبنيٌّ على غير أساسٍ.
أقول: إن كان دفعُ الكلام الباطلِ يحتاجُ إلى أن يكون الكلامُ المدفوعُ الباطلُ أساسٌ كان ذلك قادِحًا في دعوى بُطْلانِه. وقد قدمنا أنَّ كلامنا مع من قال هذه المقالة وأوضحنا بطلانها وقدمنا الجمع على الترجيحِ كما يصنعُه أهلُ العلم، فعلى فرض صحةِ ما زعَمَهُ الزاعمُ قد حملنا على وجهٍ لا ينافي ما أردْناه، وعلى فرضِ عدمِ صحَّتهِ فلا يضرُّنا ولا يقدحُ فيما نحن بصددِه، فكيف يقالُ في التعرض للكلامِ على كلام باطل أنه مبنيٌّ على غير أساسٍ: فإن كان المرادُ بالأساس المذكورِ أساسَ الدفع في نفسه فالمجيب عافاه الله لا ينكر أنه مبني على أساس صحيح، وإن المراد أساسَ الكلامِ المدفوعِ فنفي أساسه لا يعترضُ به على منِ اعترضَ، أو حملَه على غير ما يقدحُ في الكلام الصحيحِ، وعلى كل حال فاستفادتُه من كلام النبوة كما قدمنا أساسٌ، وأيُّ أساس! فالقولُ بأنه مبنيٌّ على غير أساس.
قال ـ كثر الله فوائده ـ: بل لا ينبغي ذكرُهُ عنه.
أقول: إذا كان هذا القائلُ متمسِّكًا بمفهوم الحديث حسبما ذكرناه سابقًا من دلالة ظهور بعض المعدودِ فيه على كمونِ البعض الآخَرَِ، ثم أخذ هذا القائلُ بما يفيدُه المفهومُ،

الصفحة 6352