كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 12)

وبني على ظاهره فكيف يقال إن هذا قول لا ينبغي ذكره! وقد ذكر أهل العلم ما هو ضد للأدلة الشرعية ودفعوه، فكيف مما يزعم قائله أنه مأخوذ من كلام الشارع! ومع هذا فقد وقع التعرض لدفعه في الجواب بما لا يحتاج معه إلى زيادة، فكيف يعترض ـ عافاه الله ـ على حكاية كلام قد تعرض الحاكي له لدفعه، فإنه لو لم يكن من فوائد حكايته لذلك القول الباطل إلا مجرد دفعه ورده وبيان بطلانه فهل جرت عادة أهل العلم بإنكار دفع الأقوال الباطلة والضعيفة على دافعها؟
وأما الوجوه الثلاثة التي ذكرها فلا يخفي أنه يقدح في الأول ما وقع للسائل ـ عافاه الله ـ نفسه من طلب تعيين مكان ما دل عليه الحديث، وصرح به بأنه من أنهار الجنة، والمناقضة لما ذكره المفسرون للسنة من تعيين مكان ما ورد في لفظ الشارع، فكيف يقال مع هذا أنه يكذبه العقل والنقل والحس! فليتدبر السائل.
وأما قوله: ثم أي نفع لهما ... إلخ
[21]؟ فقد صرح المجيب بمثل هذا، وحرره في الجواب، وأما ما ذكره في الوجه الثاني فقد قدمنا أنه دل عليه كلام الشارع بالمفهوم (¬1) فليس بكذب على رسول الله ـ صلي الله
¬_________
(¬1) المفهوم: ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق: أي يكون حكمًا لغير المذكور وحالاً من أحواله. وينقسم إلى قسمين:
مفهوم الموافقة: حيث يكون المسكوت عنه موافقًا للملفوظ به، فإن كان أولى بالحكم من المنطوق به فيسمى فحوى الخطاب. ومثاله: كدلالة تحريم التأفف على تحريم التأفف على تحريم الضرب لأنه أشد فتحريم الضرب من قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23]. من باب التنبيه بالأدنى وهوالتأفيف ـ على الأعلى، وهو الضرب. ?
وإن كان مساويًا له فيسمى لحن الخطاب ومثاله: تحريم إحراق مال اليتيم الدال عليه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10]، فالإحراق مساو للأكل بواسطة الإتلاف في الصورتين.
انظر: (الكوكب المنير) (3/ 482)، (إرشاد الفحول) (ص589).

الصفحة 6353