كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 2)

وسلم- سئل عن خديجة فقال: " أبصرتها على نهر من أنهار الجنة في بيت من قصب لا لغو فيه ولا نصب". وأصله في الصحيح (¬1). ويدل على ذلك أحاديث كثيرة مصرحة بأن أرواح المؤمنين في الجنة، وأرواح الكافرين في النار.
وقالت طائفة: إن أرواح المؤمنين عن يمين آدم، والكفار عن شماله.
واستدلوا. بما ثبت في الصحيح (¬2) في حديث الإسراء أن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لما أسرى به وجد آدم في سماء الدنيا، وأرواح أهل السعادة عن يمينه، وأرواح أهل الشقاوة عن يساره، فإذا نظر إلى أهل السعادة ضحك، وإذا نظر إلى أهل الشقاوة بكى.
قال محمد بن نصر المروزي (¬3): إن إسحاق بن راهوية قال: وعلى هذا أجمع أهل العلم، وقال ابن حزم (¬4) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيم (¬5) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (¬6): وهو قول جميع أهل الإسلام.
¬_________
(¬1) عند البخاري في صحيحه رقم (3820) من حديث أبي هريرة قال: أتى جبريل النبي فقال: "يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب "
(¬2) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (263/ 163)
(¬3) في " الرد على ابن قتيبة " في تفسير قوله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بنى أدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم} (الأعراف: 172)، كما ذكره ابن القيم في الروح (ص 129) وابن حزم في الفصل (4/ 124)
(¬4) في المحلى (1/ 24رقم المسألة 43) وفي "الفصل" (4/ 124) وذكره ابن القيم في الروح (ص 128). وذكره السيوطي في "شرح الصدور" ص 315، قال ابن حزم: وهو قول جميع أئمة الإسلام، وهو قول الله تعالى:
(¬5) [الواقعة: 8 - 12]. وقول:
(¬6) [الواقعة: 88] إلى أخرها، فلا تزال الأرواح هناك حتى يتم عددها بنفخها في الأجساد ثم برجوعها إلى البرزخ، فتقوم الساعة، فيعيدها عز وجل إلى الأجساد، وهى الحياة الثانية

الصفحة 654