كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 2)

__________
ثم يحافظ على الصلاة وفيه أنه لا انتفاع للمصلي بصلاته إلا إذا كان حافظاً عليها، لأنه إذا انتفى كونها نوراً وبرهاناً ... مع عدم المحافظة انتفى نفعها (تخريجه) (طب، طس هب) والدارمي وقال الهيثمي رجال أحمد ثقات (الأحكام) أحاديث الباب تدل على أن ترك الصلاة من موجبات الكفر (وقال الشوكاني رحمه الله) ولا خلاف بين المسلمين في كفر من ترك الصلاة منكراً لوجوبها إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو لم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة، وأن من كان تركه لها تكاسلا مع اعتقاده لوجوبها كما هو حال كثير من الناس فقد اختلف الناس في ذلك، فذهبت العترة والجماهير من السلف والخلف منهم مالك والشافعي إلى أنه لا يكفر بل يفسق فإن تاب وإلا قتلناه حداً كالزاني المحصن ولكنه يقتل بالسيف، (وذهب جماعة من السلف) إلى أنه يكفر وهو مروي عن علي بن أبي طالب عليه السلام وهو أحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل وبه قال عبد الله بن المبارك وإسحاق ابن راهويه، وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي، (وذهب أبو حنيفة) وجماعة من أهل الكوفة والمزني صاحب الشافعي إلى أنه لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي، (احتج الأولون) على عدم كفره بقول الله عز وجل "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" واحتجوا على قتله بقوله تعالى: "فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم" وبقوله صلى الله عليه وسلم "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" الحديث متفق عليه، وتأولوا قوله صلى الله عليه وسلم "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة" وسائر أحاديث الباب على أنه مستحق بترك الصلاة عقوبة الكافر وهي القتل، أو أنه محمول على المستحل، أو على أنه قد يؤول به إلى الكفر أو على أن فعله فعل الكفار (واحتج أهل القول الثاني) بأحاديث الباب (واحتج أهل القول الثالث) على عدم الكفر بما احتج به أهل القول الأول، وعلى عدم القتل بحديث (لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث) وليس فيه الصلاة، والحق أنه كافر يقتل، أما كفره فلأن الأحاديث قد صحت أن الشارع سمى تارك الصلاة بذلك الاسم وجعل الحائل بين الرجل وبين جواز إطلاق هذا الاسم عليه هو الصلاة فتركها مقتض لجواز الإطلاق ولا يلزمنا شيء من المعارضات التي أوردها الأولون لأنا نقول لا يمنع أن يكون بعض أنواع الكفر غير مانع من المغفرة واستحقاق الشفاعة ككفر أهل القبلة ببعض الذنوب التي سماها الشارع كفرا فلا ملجيء إلى التأويلات التي وقع الناس في مضيقها، وأما أنه يقتل فلان حديث "أمرت أن أقاتل الناس" يقضي بوجوب القتل لاستلزام المقاتلة له، وقد شرط الله في القرآن التخلية بالتوبة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فقال: "فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم" فلا يخلى من لم يقم الصلاة اهـ باختصار وتصرف

الصفحة 233