كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 3)
-[كلام العلماء فى أمور تتعلق بلجن]-
فالتيست عليه القراءةُ (1) فلمَّا فرغ من صلاته قال لو رأيتمُونى وإبليس فأهويتُ بيدى فما زلت أخنقهُ (2) حتى وجدتُ برد لعُابه بين إصبعى هاتين، الإبهام والتى تليها (3) ولولا دعوة أخى سُليمان (4) لأصبح مربُوطًا بسارية من سوارى المسجد يتلاعب به صبيانُ المدينة (5) فمن استطاع
__________
مسرة بن معبد حدثني أبو عبيد " الحديث " (غريبه) (1) أي توقف فيها بعض التوقف (2) لفظ البخاري من حديث أبي هريرة (أن عفريتا من الجن تفلت على البارحة أو كلمة نحوها ليقطع على الصلاة فأمكنني الله منه فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا أو تنظروا إليه كلكم فذكرت قول أخي سليمان رب هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي) ولفظ مسلم (أن عفريتا من الجن جعل يفتك على البارحة ليقطع علي الصلاة وإن الله أمكنني منه فذعته فلقد هممت أن أربطه) وبقية الحديث كرواية البخاري (قال النووي) هكذا هو في مسلم يفتك وفي رواية البخاري تفلت وهما صحيحان والفتك الأخذ في غفلة وخديعة والعفريت العاتي المارد من الجن وقوله صلى الله عليه وسلم فذعته هو بذال معجمة وتخفيف العين المهملة أي خنقته (3) قال العيني رحمه الله فيه دليل على أن الجن ليسوا باقين على عنصرهم الناري وقال صلى الله عليه وسلم " رأيت ليلة أسرى بي عفريتا من الجن يطلبني بشعلة من نار كلما التفت إليه رأيته " ولو كانوا باقين على عنصرهم الناري وأنهم نار محرقة لما احتاجوا إلى أن يأتي الشيطان أو العفريت منهم بشعلة من نار ولكانت يد الشيطان أو العفريت أو شيء من أعضائه إذا مس ابن آدم أحرقه كما تحرق الآدمي النار الحقيقية بمجرد اللمس فدل على أن تلك النارية انغمرت في سائر العناصر حتى صار إلي البرد ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " حتى وجدت برد لسانه على يدي " وفي رواية " برد لعابه " اهـ (4) أي قوله (رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي) كما حكاه الله عز وجل عنه في كتابه العزيز " قال القاضي عياض رحمه الله " معناه أنه مختص بهذا " يعني سليمان " عليه الصلاة والسلام فامتنع نبينا صلى الله عليه وسلم من ربطه إما أنه لم يقدر عليه لذلك وإما لكونه لما تذكر ذلك لم يتعاط ذلك لظنه أنه لم يقدر عليه أو تواضعاً وتأدبا اهـ والله أعلم (5) رواية البخاري ومسلم (حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم) قال النووي رحمه الله فيه دليل على أن الجن موجودون وأنهم قد يراهم بعض الآدميين وأما قول الله تعالى (أنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) فمحمول على الغالب فلو كانت رؤيتهم محالاً لما قال صلى الله عليه وسلم ما قال من رؤيته إياه ومن أنه كاد يربطه لينظروا كلهم إليه ويلعب به ولدان أهل المدينة (قال القاضي) وقيل أن رؤيتهم على خلقهم وصورهم الأصلية ممتنعة لظاهر الآية إلا للأنبياء صلوات الله وسلامه