كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 3)

-[مذاهب العلماء فى أحكام تتعلق بالمساجد]-
.....
__________
صوته وقال مالك وجماعة من العلماء يكره رفع الصوت في المسجد بالعلم وغيره واجاز أبو حنيفة ومحمد بن مسلمة من أصحاب مالك رفع الصوت فيه بالعلم والخصومة وغير ذلك مما يحتاج اليه الناس لانه مجمعهم ولابد لهم منه (وفيها أيضا) دليل على تحريم إقامة الحدود في المساجد وتحريم الاستقادة فيها لان النهى حقيقة في التحريم ولا صارف له ههنا عن معناه الحقيقي وفي أحاديث الباب أيضا دلل على كراهة تزيين المحاريب وغيرها مما يستقبله المصلي بنقش أو تصوير مما يلهي وعلى أن تخمير التصاوير مزيل لكراهة الصلاة في المكان الذي فيه لارتفاع العلة وهي اشتغال قلب المصلي بالنظر اليها وفيها أيضا كراهة التفاخر والمباهاه ببناء المساجد وتشييدها وزخرفتها قال الشوكاني وقد روي عن ابي حنيفة الترخيص في ذلك وروي عن ابي طالب انه لا كراهه في تزيين المحراب وقال المنصور بالله انه يجوز في جميع المسجد وقال البدر بن المنير لما شيد الناس بيوتهم وزخرفها ناسب أن يصنع ذلك بالمساجد صونا لها عن الاستهانة وتعقب بان المنع ان كان للحث على اتباع السلف في ترك الرفاهية فهو كما قال وان كان لخشبة شغل بال المصلي بالزخرفة فلا لبقاء العلة ومن جملة ما عول عليه المجوزون للتزيين بان السلف لم يحصل منهم الانكار على من فعل ذلك وبانه بدعة مستحسنة وبانه مرعب إلى المسجد وهذه حجج لا يعول عليها من له حظ من التوفيق لا سيما مع مقابلتها للأحاديث الدالة على ان التزيين ليس من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وانه نوع من المباهاة المحرمة وانه من علامات الساعة كما روي عن علي عليه السلام وانه من صنع اليهود والنصارى وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب مخالفتهم ويرشد اليها عموما وخصوصا ودعوى ترك انكار السلف ممنوعة لان التزيين بدعة أحدثها أهل الدول الجائرة من غير مؤاذنة لأهل العلم والفضل وأحدثوا من البدع مالا يأتي عليه الحصر ولا ينكره أحد وسكت العلماء عنهم تقية لا رضا بل قام في وجه باطلهم جماعة من علماء الآخرة وصرخوا بين اظهرهم بنعى ذلك عليهم ودعوى انه بدعة مستحسنة باطلة للحديث الصحيح " من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد" ودعوى انه مرغوب إلى المسجد فاسدة لان كونه داعيا إلى المسجد ومرغبا اليه لا يكون الا لمن كان غرضه وغاية قصده النظر إلى تلك النقوش والزخرفة فأما من كان غرضه قصد المساجد لعبادة الله التي لا تكون عبادة على الحقيقة الا مع خشوع والا كانت كجسم بلا روح فليست الا شاغلة عن ذلك كما فعله صلى الله عليه وسلم في الانبجانية التي بعث بها إلى أبي جهنم وكهتكه للستور التي فيها نقوش وتقويم البدع المعوجة التي يحدثها الملوك توقع أهل العلم في المسالك الضيقة فيتكلمون في ذلك من الحجج الواهية ما لا ينفق إلا على بهيمة اهـ بتصرف في بعض الألفاظ قلت وفي الباب

الصفحة 70