كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 4)

-[تعارض الأحاديث فيمن كان يؤذن الأذان الأول للفجر والجمع بينها]-
.....
__________
وأن الصواب حديث الباب (يعني حديث إن بلالا يؤذن بليل) قال الحافظ وقد كنت أميل إلى ذلك إلى أن رأيت الحديث في صحيح ابن خزيمة من طريقين آخرين عن عائشة، وفي بعض ألفاظه ما يبعد وقوع الوهم فيه، وهو قوله (إذا أذن عمرو فإنه ضرير البصر فلا يغرنكم، وإذا أذن بلال فلا يطعمن أحد) وأخرجه أحمد، وجاء عن عائشة أيضًا أنها كانت تنكر حديث ابن عمر وتقول إنه غلط، أخرج ذلك البيهقي من طريق الدراوردي عن هشام عن أبيه عنها فذكر الحديث، وزاد (قالت عائشة وكان بلال يبصر الفجر) فال وكانت عائشة تقول غلط ابن عمر اهـ وقد جمع ابن خزيمة والضبعي بين الحديثين بما حاصلة أن يحتمل أن يكون الأذان ذو بابين بلال وابن أم مكتوم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الناس أن أذان الأول منهما لا يحرم على الصائم شيئًا ولا يدل على دخول وقت الصلاة بخلاف الثاني، وجزم ابن حبان بذلك ولم يبده احتمالًا، وأنكر ذلك عليه الضياء وغيره، وقيل لم يكن نوبًا، وإنما كانت لهما حالتان مختلفتان، فإن بلالا كان ف أول ما شرع الأذان يؤذن وحده ولا يؤذن للصبح حتى يطلع الفجر، وعلى ذلك تحمل رواية عروة عن امرأة من بني النجار قال (كان بلال يجلس علي بيتي وهو أعلى بيت في المدينة فإذا رأى الفجر تمطأ ثم أذن) أخرجه أبو داود وإسناده فأذن جين طلع الفجر الحديث؛ أخرجه النسائي وإسناده صحيح، ثم أرف بابن أم مكتوم وكان يؤذن بليل واستمر بلال على حالته الأولى، وعلى لك تنزل رواية أنيسة وغيرها، ثم في آخر الأمر أخر ابن أم مكتوم لضعفه ووكل به من يراعي له الفجر، واستمر أذان بلال بليل، وكان سبب ذلك ما روى أنه ربما كان أخطأ الفجر فأذن قبل طلوعه وانه أخطأ مرة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فيقول ألا إن العبد نام يعني أن غلبه النوم على يمينيه منعته من تبين الفجر، وهو حديث أخرجه أبو داود وغيره من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موصولًا مرفوعًا ورجاله ثقات حفاظ، قال الحافظ فلهذا والله أعلم استقر أن بلالا يؤذن الأذان الأول اهـ ببعض اختصار (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ والسياق لغير الإمام أحمد وسنده جيد، ويشهد له ما تقدم عند أبي داود والنسائي والدارمي وابن خزينة وكلها صحيحة والله أعلم (الأحكام) أحاديث الباب تدل على أن جميع الليل وقت الوتر إلا الوقت الذي قبل صلاة العشاء، إذ لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم أوتر فيه، ولم يخالف في ذلك أحد لا أهل الظاهر ولا غيرهم، إلا وجه ضعيف لأصحاب الشافعي صرح به العراقي وغيره منهم، وقد حكى صاحب المفهم الإجماع على انه لا يدخل وقت الوتر إلا بعد صلاة العشاء، وتقدم في حديث عائشة الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي ما بين صلاة العشاء

الصفحة 289