كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 4)

-[كلام العلماء في وقت الوتر]-
.....
__________
الآخرة إلى الفجر إحدى عشرة ركعة (وفي أحاديث الباب) أن الذي استقر عليه فعله صلى الله عليه وسلم أخيرًا هو الوتر آخر الليل، وهو المستحب الأفضل، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة عليه، واختلف العلماء في الأفضل على وجهين مع الاتفاق على جواز ذلك، قال النووي والصواب أن تأخير الوتر إلى آخر الليل أفضل لمن وثق بالاستيقاظ آخره، ومن لا يثق فالتقديم أفضل، ويدل له حديث جابر عند مسلم (قلت والإمام أحمد) (من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم فليوتر آخر الليل) ويحمل باقي الأحاديث المطلقة على هذا التفصيل الصريح الصحيح، ومن ذلك حديث (أوصاني خليل أن لا أنام إلا على وتر) وهو محمول على من لا يثق بالاستيقاظ اهـ قال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة، ولا شك أنا إذا نظرنا إلى آخر الليل من حيث هو كذلك كانت الصلاة فيه أفضل من أوله، لكن إذا عارض ذلك احتمال تفويت الأصل قدمناه على فوات الفضيلة، وهذه قاعدة قد وقع فيها خلاف، ومن جملة صورها ما إذا كان دعا الماء يرجو وجوده في آخر الوقت فهل يقدم التيمم في أول الوقت إحرازً للفضيلة المحققة أم يؤخره إحرازًا للوضوء؟ فيه خلاف، والمختار أفضلية التقديم اهـ (قلت) وفي بعض أحاديث الباب ما يشعر بأن وقتها ينتهي بطلوع الفجر كحديث أبي سعيد مرفوعًا (الوتر بليل) وحديث ابن عمر مرفوعًا (أوتروا قبل الفجر) ومثله لأبي سعيد أيضًا (أوتروا قبل الصبح) وحديث ابن عمر أيضًا (بادروا الصبح بالوتر) (وفي بعضها أيضًا) ما يدل على امتداد وقت الوتر إلى صلاة الفجر بلا فرق بين أن يصلي في أول وقتها أو في آخره (وذهب بعض العلماء) إلى أن فعلها بعد طلوع الفجر قبل صلاته رخصة لمن يدرك فعلها في بقية من الليل، وخالف الجمهور فقالوا وقتها ممتد إلى طلوع الفجر، فيكون فعلها بعد قضاء، وبعضهم ذهب إلى أنها تسقط بفوات وقتها وهو الذي رجحه ابن القيم وشيخه ابن تيمية، وحجتهم ما قدمنا من أحاديث ابن عمر وأبي سعيد ونحوها، وقد يقال هذا إرشاد إلى بيان وقتها لمن أدركه متمكنًا من فعله فيه، فإذا تراخى عن الوتر ذهبت فضيلة فعله، فأما من أدركه غير متمكن من الفعل حتى أصبح فالأحاديث الأخرى تدل على رخصة التأخير بلا حرج، وبه يجمع بين مختلف الأحاديث، ويدل عليها صريحًا ما أورده الهيثمي في مجمع الزوائد عن الأغر المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أدركه الصبح فلم يوتر فلا وتر له) وقال رواه البزار عن صالح بن معاذ البغدادي شيخه ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات اهـ وعلى هذا يحمل فعل السلف وفتاويهم، وقد تقدم الكلام على مذاهب الأئمة في حكم قضاء الوتر في الباب الرابع من أبواب قضاء الفوائت فارجع إليه والله الموفق

الصفحة 290