كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 4)
__________
يعتد بهم على أنه لا يجب إلا تسليمة واحدة. فإن سلم واحدة استحب له أن يسلمها تلقاء وجهه، وإن سلم تسليمتين جعل الأولى عن يمينه والثانية عن يساره، ويلتفت في كل تسليمة حتى يرى من عن جانبه خده، هذا هو الصحيح. وقال بعض أصحابنا: حتى يرى خديه من على جانبه، ولو سلم التسلمتين عن يمينه أو عن يساره أو تلقاء وجهه أو الأولى عن يساره والثانية عن يمينه صحت صلاته وحصلت تسليمتان ولكن فاتته الفضيلة في كيفيتهما، واعلم أن السلام ركن من أركان الصلاة وفرض من فروضها لا تصح إلا به، هذا مذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم. وقال أبو حنيفة: رضي الله عنه: هو سنة، ويحصل التحلل من الصلاة بكل شئ ينافيها من سلام أو كلام أو حدث أو قيام أو غير ذلك، واحتج الجمهور بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» وبالحديث الآخر «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم» اهـ. م. قال الشوكاني رحمه الله: وذهب عبد الله بن موسى بن جعفر من أهل البيت إلى أن الواجب ثلاث يمينًا وشمالاً وتلقاء وجهه، واختلف القائلون بمشروعية التسليمتين: هل الثانية واجبة أم لا؟ فذهب الجمهور إلى استحبابها، واحتج القائل بمشروعية ثلاث أن في ذلك جمعًا بين الروايات. والحق ما ذهب إليه الأولون لكثرة الأحاديث الواردة بالتسليمتين وصحة بعضها وحسن بعضها واشتمالها على الزيادة وكونها مثبتة، بخلاف الأحاديث الواردة بالتسليمة الواحدة فإنها مع قلتها ضعيفة لا تنتهض للاحتجاج كما ستعرف ذلك، ولو سلم انتهاضها لم تصلح لمعارضة أحاديث التسليمتين لما عرفت من اشتمالها على الزيادة. وأما القول بمشروعية ثلاث فلعل القائل به ظن أن التسليمة الواحدة الواردة في الباب الذي سيأتي غير التسليمتين المذكورتين في هذا الباب، فجمع بين الأحاديث بمشروعية الثلاث وهو فاسد. اهـ. وفي أحاديث الباب أيضًا دلالة على أن السلام يكون لفظ «السلام عليكم ورحمة الله» لا غير، لكن زاد أبو داود من حديث وائل «وبركاته» وأخرجها أيضًا ابن حبان في صحيحه من حديث ابن مسعود، وكذلك ابن ماجه من حديثه. قال الحافظ في (التلخيص): فيتعجب من ابن الصلاح حيث يقول: إن هذه الزيادة ليست في شيء من كتب الحديث إلا في رواية وائل بن حجر. وقد ذكر لها الحافظ طرقًا كثيرة في (تلقيح الأفكار تخريج الأذكار) لما قال النووي: إن زيادة «وبركاته» رواية فردة، ثم قال الحافظ بعد أن ساق تلك الطرق: فهذه عدة طرق تثبت بها «وبركاته» بخلاف ما يوهمه كلام الشيخ أنها رواية فردة. اهـ. وقد صحح أيضًا في (بلوغ المرام) حديث وائل المشتمل على تلك الزيادة. أفاده الشوكاني. قال النووي رحمه الله: ويستحب للإمام أن ينوي بالتسليمة الأولى السلام على من على يمينه من الملائكة ومسلمي الجن والإنس، وبالثانية على من