كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 5)

__________
وغيره فيها نحوًا من عشرين قولا، أقل ما قيل فى ذلك يوم وليلة، وأكثره ما دام غائبا عن بلده، وقيل أقل ما قيل فى ذلك الميل كما رواه ابن أبى شيبة باسناد صحيح عن ابن عمر، والى ذلك (ذهب ابن حزم الظاهرى) واحتج له باطلاق السفر فى كتاب الله تعالى كقوله {واذا ضربتم فى الأرض} الآية، وفى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فلم يخص الله ولا رسوله ولا المسلمون بأجمعهم سفرًا من سفر، ثم احتج على ترك القصر فيما دون الميل بأن النبى صلى الله عليه وسلم قد خرج الى البقيع لدفن الموتى، وخرج الى الفضاء للغائط والناس معه فلم يقصر ولا أفطر، وذكر فى المحلى من أقوال الصحابة والتابعين والأئمة والفقهاء فى تقدير مسافة القصر أقوالا كثيرة لم يحط بها غيره، واستدل لها وردَّ تلك الاستدلالات، وقد أخذ بظاهر حديث أنس المذكور فى الباب يعنى قوله "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر فى مسجده بالمدينة أربع ركعات ثم صلى بنا بذى الحليفة ركعتين" (أخذ به الظاهرية) كما قال النووى فذهبوا الى أن مسافة القصر ثلاثة أميال (قال الحافظ) وهو أصح حديث ورد فى ذلك وأصرحه، وقد حمله من خالفه على أن المراد المسافة التى؛ يبتدأ منها القصر لا غاية السف؛ قال ولا يخفى بعد هذا الحمل مع أن البيهقى ذكر فى روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد راويه عن أنس قال سألت أنسا عن قصر الصلاة وكنت أخرج الى الكوفة يعنى من البصرة فأصلى ركعتين ركعتين حتى أرجع فقال أنس فذكر الحديث، قال فظهر أنه سأله عن جواز القصر فى السفر لا عن الموضع الذى يبتدئ القصر منه (وذهب الشافعى ومالك) وأصحابهما وأحمد والليث والأوزاعى وفقهاء أصحاب الحديث وغيرهم الى أنه لا يجوز الا فى مسيرة مرحلتين وهما ثمانية وأربعون ميلاها شمية كما قال النووى "وهو قول ابن عباس وابن عمر" واستدلوا بما رواه ابن المنذر والبيهقى باسناد صحيح وعلقه البخارى عن عطاء بن أبى رباح "أن ابن عمر وابن عباس كانا يصليان الرباعية ركعتين ويفطران فى أربعة برد فما فوق ذلك" وبما رواه الشافعى والبيهقى باسناد صحيح أيضا عن عطاء "قال سئل ابن عباس أتقصر الصلاة الى عرفة؟ " فقال لا، ولكن الى عسفان فالى جدة والى الطائف" ونقل النووى عن مالك أن بين مكة وكل من الطائف وعسفان أربعة برد (وقال أبو حنيفة والكوفيون) لا يقصر فى أقل من ثلاث مراحل (وروى) عن عثمان وابن مسعود وحذيفة، وفى البحر عن أبى حنيفة أن مسافة القصر أربعة وعشرون فرسخا، وحكى عنه أيضا أن مسافة القصر ثلاثة أيام بسير الأبل والأقدام، وفسرها الحنفية بثلاثة أيام السنة، قالوا ويكفى أن يسافر فى كل يوم منها من الصباح الى الزوال، والمعتبر السير الوسط أى سير الأبل ومشى الأقدام، فلو بكر

الصفحة 107