كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 5)
__________
في اليوم الأول ومشى الى الزوال وبلغ المرحلة ونزل وبات فيها، ثم بكر فى اليوم الثانى وفعل ذلك، ثم فعل فى اليوم الثالث أيضا فقد قطع مسافة القصر ولا عبرة بتقديرها بالفراسخ على المعتمد، ولا يصح القصر فى أقل من هذه المسافة هكذا فى كتب الحنفية، وقد اتفق العلماء على أن الفرسخ ثلاثة أميال، وحقق العلماء فى عصرنا أن الميل ستة آلاف ذراع بذراع اليد، وهذه المسافة تساوى ثمانين كيلو ونصف كيلو ومائة وأربعين مترًا باعتبار أن الكيلو ألف متر؛ وهى مسيرة يوم وليلة بسير الأبل المحملة بالأثقال سيرًا معتادًا، وممن قال بأن مسافة القصر يوم وليلة أنس بن مالك رضى الله عنه "وهو مروى عن الأوزاعى" (قال الحافظ) وقد أورد البخارى ما يدل على أن اختياره أن أقل مسافة القصر يوم وليلة يعنى قوله فى صحيحه، وسمَّى النبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم السفر يومًا وليلة بعد قوله "باب فى كم يقصر الصلاة" وحجج هذه الأقوال مأخوذة من قوله صلى الله عليه وسلم "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسافة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم" رواه الشيخان والأمام أحمد والأربعة إلا النسائى (وفى رواية) للبخارى من حديث ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم "لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذى محرم" رواه الأمام أحمد أيضا وتقدم، وفى رواية لأبى داود "لا تسافر المرأة بريدًا" ولا حجة فى جميع ذلك، أما قصره صلى الله عليه وسلم فى أسفاره فلعدم استلزام فعله لعدم الجواز فيما دون المسافة التى قصر فيها، وأما نهى المرأة عن أن تسافر ثلاثة أيام بغير ذى محرم فغاية ما فيه إطلاق اسم السفر على مسيرة ثلاثة أيام، وهو غير مناف للقصر فيما دونها، وكذلك نهيها عن سفر اليوم بدون محرم، والبريد لا ينافى جواز القصر فى ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ كما فى حديث أنس، لأن الحكم على الأقل حكم على الأكثر، وأما حديث ابن عباس عند الطبرانى أنه صلى الله عليه وسلم قال "يا أهل مكة لا تقصروا فى أقل من أربعة برد من مكة الى عسفان" فليس مما تقوم به حجة، لأن فى إسناده عبد الوهاب بن مجاهد ابن جبير وهو متروك؛ وقد نسبه النووى الى الكذب، وقال الأزدى لا تحل الرواية عنه، والراوى عنه اسماعيل بن عياش وهو ضعيف فى الحجازيين، وعبد الوهاب المذكور حجازى، والصحيح أنه موقوف على ابن عباس كما أخرجه عنه الشافعى باسناد صحيح ومالك فى الموطأ، اذا تقرر لك هذا فالمتيقن هو ثلاثة فراسخ، لأن حديث أنس المذكور فى الباب متردد ما بينهما وبين ثلاثة أميال، والثلاثة الأميال مندرجة فى الثلاثة الفراسخ، فيؤخذ بالأكثر احتياطا؛ ولكنه روى سعيد بن منصور عن أبى سعيد قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا سافر فرسخا يقصر الصلاة" وقد أورد الحافظ هذا فى التلخيص ولم يتكلم عليه، فان صح كان الفرسخ هو المتيقن، ولا يقصر فيما دونه إلا اذا كان يسمى سفرًا لغة أو شرعًا (وقد