كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 5)

__________
اختلف العلماء أيضا) فيمن قصد سفرًا يقصر فى مثله الصلاة على اختلاف الأقوال من أين يقصر؟ فقال ابن المنذر أجمعوا على أن لمريد السفر أن يقصر اذا خرج عن جميع بيوت القرية التى يخرج منها (واختلفوا) فيما قبل الخروج من البيوت (فذهب الجمهور) الى أنه لا بد من مفارقة جميع البيوت (وذهب بعض الكوفيين) الى أنه اذا أراد السفر يصلى ركعتين ولو كان فى منزله، ومنهم من قال اذا ركب قصر إن شاء، ورجح ابن المنذر الأول بأنهم اتفقوا على أنه يقصر اذا فارق البيوت (واختلفوا) فيما قبل ذلك فعليه الأتمام على أصل ما كان عليه حتى يثبت أن له القصر، قال ولا أعلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قصر فى سفر من أسفاره إلا بعد خروجه من المدينة أفاده الشوكانى بتصرف وزيادة (واختلفوا أيضا) فى قدر المدة التى تقطع القصر وتوجب الأتمام اذا دخل المسافر بلدًا ونوى الأقامة فيه لحاجة، فذهب الأئمة الثلاثة (مالك والشافعى وأحمد) الى أن المسافر يصير مقيما اذا نوى إقامة أربعة أيام كوامل، واستدل لهم بنهيه صلى الله عليه وسلم للمهاجرين عن إقامة فوق ثلاث فى مكة فتكون الزيادة عليها إقامة لا قدر الثلاث، ورده المخالفون بأن الثلاث قدر قضاء الحوائج لا لكونها غير إقامة، قال الشوكانى (وقال أبو حنيفة) إنه يتم اذا عزم على إقامة خمسة عشر يومًا، واحتج بما روى عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا اذا قمت ببلد وأنت مسافر وفى نفسك أن تقيم خمس عشرة ليلة فأكمل الصلاة، ورد بأنه لا حجة فى أقوال الصحابة فى المسائل التى للاجتهاد فيها مسرح وهذه منها، وروى عن الأوزاعى التحديد باثنى عشر، يومًا وعن ربيعة يوم وليلة، وعن الحسن البصرى أن المسافر يصير مقيما بدخول البلد، وعن عائشة بوضع الرجل قال الأمام يحى ولا يعرف لهم مستند شرعى، وإنما ذلك اجتهاد من أنفسهم والأمر كما قال هذا الأمام، والحق أن من حط رحله ببلد ونوى الأقامة بها أيامًا من دون تردد لا يقال له مسافر فيتم الصلاة ولا يقصر الا لدليل، ولا دليل ههنا الا ما فى حديث الباب (يعنى حديث أنس) من اقامته صلى الله عليه وسلم بمكة أربعة إيام يقصر الصلاة، والاستدلال به متوقف على ثبوت أنه صلى الله عليه وسلم عزم على إقامته أربعة أيام، الا أن يقال ان تمام أعمال الحج فى مكة لا يكون فى دون الأربع فكان كل من يحج عازمًا على ذلك فيقتصر على هذا المقدار، ويكون الظاهر والأصل فى حق من نوى اقامة أكثر من أربعة أيام هو التمام، واستلزام أن يقصر الصلاة من نوى اقامة سنين متعددة ولا قائل به، ولا يرد على هذا قوله صلى الله عليه وسلم فى إقامته بمكة يوم الفتح انا قوم سفر كما سيأتى لأنه كان اذ ذاك متردد او لم يعزم على اقامته مدة معينة اهـ (وفى احاديث الباب ايضا) دليل على جواز اقتداء المسافر بامام مقيم بشرط أن يتم صلاته تبعا لأمامه، وبه قال جمهور العلماء واختلفوا فى المسافر اذا أدرك جزأ من

الصفحة 109