كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 5)

__________
الإتمام، وهذا قول (أبى حنيفة رحمه الله ومالك وأصحابهما) وهذا أحسن ما اعتذر به عن عثمان "يعنى كونه أتم بمنى" (وقال الحافظ فى الفتح) والمنقول ان سبب إتمام عثمان أنه كان يرى القصر مختصا بمن كان شاخصًا سائرًا، واما من اقام فى مكان فى اثناء سفره فله حكم المقيم فيتم، والحجة فيه ما رواه احمد باسناد حسن عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال لما قدم علينا معاوية حاجًا صلى بنا الظهر ركعتين بمكة انصرف الى الندوة فدخل عليه مروان وعمرو بن عثمان فقالا لقد عبت امر ابن عمك لأنه كان قد أتم الصلاة، قال وكان عثمان حيث اتم الصلاة اذا قدم مكة صلى بها الظهر والعصر والعشاء اربعا اربعا، ثم اذا خرج الى منى وعرفة قصر الصلاة، فاذا فرغ من الحج وأقام بمنى اتم الصلاة (وقال ابن بطال) الوجه الصحيح فى ذلك ان عثمان وعائشة كانا يريان ان النبى صلى الله عليه وسلم انما قصر لأنه اخذ بالأيسر من ذلك على أمته فأخذا لأنفسهما بالشدة اهـ وهذا رجحه جماعة من آخرهم القرطبى، لكن الوجه الذى قبله أولى لتصريح الراوى بالسبب، وأما ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهرى أن عثمان انما اتم الصلاة لأنه نوى الأقامة بعد الحج فهو مرسل، وفيه نظر لأن الأقامة بمكة على المهاجرين حرام؛ قال وصح عن عثمان أنه كان لا يودع البيت إلا على ظهر راحلته ويسرع الخروج خشية أن يرجع فى هجرته، وثبت عن عثمان أنه قال لما حاصروه وقال له المغيرة اركب رواحلك الى مكة، قال لن أفارق دار هجرتى، ومع هذا النظر فى رواية معمر عن الزهرى فقد روى أيوب عن الزهرى ما يخالفه، فروى الطحاوى وغيره من هذا الوجه عن الزهرى قال إنما صلى عثمان بمنى أربعا لأن الأعراب كانوا كثروا فى ذلك العام فأحب أن يعلمهم ان الصلاة أربع، وروى البيهقى من طريق عبد الرحمن بن حميد بن عوف عن أبيه عن عثمان أنه أتم بمنى ثم خطب فقال إن القصر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ولكنه حدث طغام يعنى بفتح الطاء والغين المعجمة فخفت أن يستنوا (وعن ابن جريج) أن أعرابيا ناداه فى منًى يا أمير المؤمنين مازلت رأيتك عام أوَّل ركعتين، وهذه طرق يقوى بعضها بعضا، ولا مانع أن يكون هذا أصل سبب الأتمام وليس بمعارض للوجه الذى اخترته بل يقويه من حيث ان حالة الأقامة فى أثناء السفر أقرب الى قياس الأقامة المطلقة عليها بخلاف السائر، وهذا ما أدى اليه اجتهاد عثمان (وام عائشة) فقد جاء عنها سبب الأتمام صريحًا وهو فيما أخرجه البيهقى من طريق هشام بن عروة عن أبيه انها كانت تصلى فى السفر اربعًا فقلت لها لو صليت ركعتين فقالت يا ابن أختى إنه لا يشق على، اسناده صحيح وهو دال على أنها تأولت أن القصر رخصة وأن الأتمام لمن لا يشق عليه أفضل اهـ باختصار

الصفحة 116