كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 5)

__________
وحكاه ابن قدامة فى المغنى عن أكثر أهل العلم، وحكاه أبو العباس القرطبى عن جماعة السلف وفقهاء المحدثين (القول الثانى) اختصاص ذلك بحالة الجد فى السفر لخوف فوات أمر أو لأدراك مهم، وهو المشهور عن مالك كما تقدم وتمسك هؤلاء بظاهر روايات ابن عمر التى فى الباب (والجواب عن ذلك) أن فى حدث غيره زيادة يجب الأخذ بها وهى الجمع من غير جد فى السفر كما فى حديث معاذ المتقدم فى أول الباب، قال الترمذى حديث حسن، وقال البيهقى هو حديث محفوظ صحيح اهـ ففى حديث معاذ الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء ولم يقيد ذلك بأن يعجل به السفر، بل صرح فى رواية الموطأ وأبى داود وغيرهما بالجمع وهو غير سائر بل نازل ماكث فى خبائه يخرج فيصلى الصلاتين جميعا ثم ينصرف الى خبائه (قال الشافعى رحمه الله) فى الأم بعد ذكره هذه الرواية وهذا وهو نازل غير سائر لأن قوله دخل ثم خرج لا يكون إلا وهو نازل؛ فللمسافر أن يجمع نازلًا ومسافرًا اهـ وفيه أيضا التصريح بجمع التقديم والتأخير فى الظهرر والعصر وفى المغرب والعشاء، وقد كانت غزوة تبوك فى أواخر الأمر سنة تسع من الهجرة (قال ابن عبد البر) بعد ذكر حديث معاذ فى الموطأ، فى هذا أوضح الدلائل وأقوى الحجج فى الرد على من قال لا يجمع المسافر بين الصلاتين إلا اذا جد به السير، وهو قاطع للالتباس، قال وليس فيما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان اذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء ما يعارضه؛ لأنه اذا كان له الجمع نازلا غير سائر فالذى يجد به السير أحرى بذلك، وإنما يتعارضان لو كان فى أحدهما أنه قال لا يجمع المسافر بين الصلاتين إلا أن يجد به السير، وفى الآخر أنه جمع نازلا غير سائر، فاما أن يجمع وقد جاء به السير ويجمع وهو نازل لم يجد به السير فليس هذا بمتعارض عند أحد له فهم، قال وقد أجمع المسلمون على الجمع بين الصلاتين بعرفة ومزدلفة فكل ما اختلفت فيه من مثله فمردود اليه، وروى مالك عن ابن شهاب أنه قال سألت سالم بن عبد الله هل يجمع بين الظهر والعصر فى السفر؟ فقال نعم لا بأس بذلك، ألم تر الى صلاة الناس بعرفة فهذا سالم قد نزع بما ذكرنا، وهذا أصل صحيح لمن ألهم رشده ولم تحل به العصبية الى المعاندة اهـ وحكى أبو العباس القرطبى عدم اشتراط الجد فى السفر عن جمهور السلف وعلماء الحجاز وفقهاء المحدثين وأهل الظاهر (القول الثالث) منع الجمع بعذر السفر مطلقا، وإنما يجوز للنسك بعرفة ومزدلفة (وهذا قول الحنفية) بل زاد أبو حنيفة على صاحبيه وقال لا يجمع للنسك إلا اذا صلى فى الجماعة فان صلى منفردًا صلى كل صلاة فى وقتها، وقال أبو يوسف ومحمد المنفرد فى ذلك كالمصلى فى جماعة، وحكى ابن قدامة فى المغنى هذا عن رواية ابن القاسم عن مالك واختياره، وروى ابن أبى شيبة فى مصنفه عن ابراهيم النخعى قال كان الأسود وأصحابه

الصفحة 128