كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 5)

__________
بالآحاد بأنا لم نتركها وإنما خصصناها، وتخصيص المتواتر بالآحاد جائز بالأجماع، وقد جاز تخصيص الكتاب بخبر الواحد إجماعًا فتخصيص السنة بالسنة أولى بالجواز والله أعلم (القول الرابع) جواز جمع التأخير ومنع جمع التقديم، وهو رواية عن أحمد، قال ابن قدامة وروى نحوه عن سعد وابن عمر وعكرمة، قال ابن بطال وهو قول مالك فى المدينة، وبهذا قال ابن حزم الظاهرى بشرط الجد فى السفر؛ واعتماد هؤلاء على أن جمع التقديم لم يذكر فى حديثى ابن عمر وأنس وإنما ذكر فيهما جمع التأخير وتأكد ذلك بقوله فى حديث أنس فان زاغت قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب ولم يذكر صلاة العصر (وجوابه) أنه لا يلزم من عدم ذكرها أن لا يكون صلاها مع الظهر، وقد ورد التصريح بجمع التقديم فى حديث معاذ وغيره فوجب المصير اليه، وحمل بعضهم حديث أنس على أن معناه صلى الظهر والعصر، قال لأنه عليه الصلاة والسلام إنما كان يؤخر الظهر الى العصر اذا لم تزغ الشمس، فكذلك يقدم العصر الى الظهر إن زاغت الشمس، ذكره ابن بطال، وقد ورد التصريح بذلك فى حديث أنس بسند لا بأس به فى معجم الطبرانى الأوسط ولفظه "اذا كان فى سفر فزاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر جميعا، وإن ارتحل قبل أن تزيغ الشمس جمع بينهما فى أول وقت العصر وكان يفعل ذلك فى المغرب والعشاء" وحكى ابن العربى أن اللؤلؤى حكى عن أبى داود أنه قال "ليس فى تقديم الوقت حديث قائم" وما تقدم من الأحاديث التى بعضها صحيح وبعضها حسن يرده (واختلف القائلون بجواز الجمع) فى أفضليته، أما أحاديث الباب فلا تدل إلا على جواز الجمع، وأما رجحانه وكونه أفضل من إيقاع كل صلاة فى وقتها فلا دلالة فيها عليه، فلعله صلى الله عليه وسلم بيَّن بذلك الجواز، أو فعله على سبيل الترخص والتوسع وإن كان الأفضل خلافه، وقد صرح الشافعية بذلك وقالوا إن ترك الجمع أفضل، وقال الغزالى إنه لا خلاف فى المذهب فيه، وعللوه بالخروج من الخلاف، فان أبا حنيفة وجماعة من التابعين لا يجوزونه، وعن الأمام أحمد فى ذلك روايتان، وعن الأمام مالك روايتان أيضا (احداهما) ان الجمع مكروه رواها المصريون عنه كما قاله ابن العربى، واحتج له بتعارض الأدلة، وقال ابن شاس فى الجواهر وقع فى العتيبة قال مالك أكره جمع الصلاتين فى السفر، فحمله بعض المتأخرين على ايثار الفضل لئلا يتساهل فيه من لا يشق عليه (والثانية) انه كره الجمع للرجال دون النساء، حكاها أبو العباس القرطبى عن مالك، وقال ابن الحاجب فى مختصره لا كراهة على المشهور، وقال الخطابى كان الحسن ومكحول يكرهان الجمع فى السفر بين الصلاتين اهـ (واتفق المجوزون للجمع) على فعله فى السفر الطويل، واختلفوا فى القصير فذهب المالكية الى أنه لا يختص بالطويل، وذهب الحنابلة الى اختصاصه به، وللشافعية فى ذلك قولان أصحهما اختصاصه بالطويل والله أعلم

الصفحة 130