كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 5)
__________
دليل على مشروعية الأذان والأقامة للصلاتين المجموعتين، وهل الأذان والأقامة لكل صلاة منهما؟ أو الأذان للأولى فقط والأقامة لكل واحدة من الصلاتين؟ أو الأذان والأقامة للأولى فقط؟ اختلف العلماء فى ذلك (فذهبت المالكية) الى أنه يؤذن ويقيم لكل واحدة من الصلاتين عملا بحديث ابن مسعود المذكور أول الباب وأخرجه أيضا البخارى، وله فى رواية أخرى عن ابن مسعود أيضا أنه أمر بالأذان والأقامة لكل واحدة من الصلاتين المجموعتين بمزدلفة، قال ابن حزم لم نجده مرويا عن النبى صلى الله عليه وسلم، ولو ثبت لقلت به؛ ثم أخرج من طريق عبد الرزاق عن أبى بكر بن عياش فى هذا الحديث، قال أبو إسحاق فذكرته لأبى جعفر محمد بن على فقال أما نحن أهل البيت فهكذا نصنع، قال ابن حزم وقد روى عن عمر من فعله وأخرجه الطحاوى باسناد صحيح عنه، ثم تأوله بأنه محمول على أن أصحابه تفرقوا عنه فأذَّن لهم ليجتمعوا ليجمع بهم (وذهب الشافعى وأحمد) فى رواية عنهما أنه يصلى كل واحدة منهما باقامتها بلا أذان، وهو محكى عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر، وتمسكوا بحديث أسامة المذكور فى الباب أيضًا لأنه اقتصر فيه على ذكر الأقامة لكل واحدة من الصلاتين (وقال الثورى) يصليهما جميعا باقامة واحدة وهو محكى عن ابن عمر، لحديث ابن عمر المذكور فى الباب وفيه "صلى المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين باقامة واحدة" (وذهبت الشافعية والحنابلة) الى أن يصلى الصلاتين فى وقت الثانية بأذان للأولى وإقامتين، لكل واحدة إقامة وهو الصحيح عندهم، وبه قال أبو ثور وعبد الملك الماجشون المالكى والطحاوى الحنفى وقواه، وحجتهم حديث جابر عند مسلم والنسائى "أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى صلاتين بعرفة بأذان واحد وإقامتين، وأتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما الحديث" ورجح النووى العمل بحديث جابر على غيره من الروايات الأخرى، قال لأن مع جابر زيادة علم وزيادة الثقة مقبولة، ولأن جابرًا اعتنى الحديث ونقل حجَّة النبى صلى الله عليه وسلم مستقصاة فهو أولى بالاعتماد، قال وهذا هو الصحيح من مذهبنا أنه يستحب الأذان للأولى منهما ويقيم لكل واحدة فيصليهما بأذان وإقامتين، ويتأول حديث إقامة واحدة أن كل صلاة لها إقامة ولا بد من هذا ليجمع بينه وبين الروايات الأخرى اهـ (وفى أحاديث الباب أيضا) الموالاة بين الصلاتين المجموعتين وعدم الفصل بينهما نافلة، قال النووى رحمه الله ولا خلاف فى هذا، لكن اختلفوا هل هو شرط للجمع أم لا؟ والصحيح عندنا أنه ليس بشرط بل هو سنة مستحبة، وقال بعض أصحابنا هو شرط، أما اذا جمع بينهما فى وقت الأولى فالموالاة شرط بلا خلاف اهـ والله أعلم