كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 5)
__________
(وفيها أيضًا) وجوب طاعة أولي الأمر إلا في معصية الله تعالى فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (وفيها أيضًا) دليل على جواز خلف أثمة الجور (قال الشوكاني) رحمه الله قد أجمع أهل العصر الأول من بقية الصحابة ومن معهم من التابعين إجماعًا فعليًا ولا يبعد أن يكون قوليًا على الصلاة خلف الجائرين، لأن الأمراء في تلك الاعصار كانوا أئمة الصلوات الخمس فكان الناس لا يؤمهم إلا أمراؤهم في كل بلدة فيها أمير، وكانت الدولة إذ ذاك لبني أمية وحالهم وحال أمرائهم لا يخفى (وقد أخرج البخاري) عن ابن عمر أنه كان يصلي خلف الحجاج بن يوسف (وأخرج مسلم) وأهل السنن أن أبا سعيد الخدري صلى خلف مروان صلاة العيد في قصة تقديمه الخطبة على الصلاة وإخراج منبر النبي صلى الله عليه وسلم وإنكار بعض الحاضرين، وأيضًا قد ثبت تواتر أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه يكون على الأمة أمراء يميتون الصلاة ميتة الأبدان ويصلونها لغير وقتها، فقالوا يا رسول الله بما تأمرنا؟ فقال صلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم مع القوم نافلة، ولا شك أن من أمات الصلاة وفعلها في غير وقتها غير عدل، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة خلفه نافلة ولا فرق بينها وبين الفريضة في ذلك (والحاصل) أن الأصل عدم اشتراط العدالة وأن كل من صحت صلاته لنفسه صحت لغيره، وقد اعتضد هذا الأصل بما ذكرنا من الأدلة وبإجماع الصدر الأول عليه وتمسك الجمهور من بعدهم به، فالقائل بان العدالة شرط كما روي عن العترة (ومالك) وجعفر بن مبشر وجعفر بن حرب محتاج إلى دليل ينقل عن ذلك الأصل وقد أفردت هذا البحث برسالة مستقلة واستوفيت فيها الكلام على ما ظنه القائلون بالاشتراط دليلًا من العمومات القرآنية وغيرها، قال واعلم أن محل النزاع إنما هو في صحة الجماعة خلف من لا عدالة له، وأما إنها مكروهة فلا خلاف في ذلك كما في البحر، وقد أخرج الحاكم في ترجمة مرثد الغنوي عنه صلى الله عليه وسلم "إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكن خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم" اهـ باختصار (قلت) ما ذكره الشوكاني عن مالك في اشتراط العدالة في الإمام هو رواية عنه وفي رواية أخرى عدم اشتراطها، لكن تكره الصلاة خلفه ولو لمثله، وإلى اشتراط العدالة في الإمام (ذهبت الحنابلة) وقالوا إمامة الفاسق ولو لمثله غير صحيحة إلا في صلاة الجمعة والعيد إذا تعذرت صلاتهما خلف غيره فتجوز إمامته للضرورة، قالوا لأن الفاسق لا يقبل خبره لمعنى في دينه فأشبه الكافر، ولأنه لا يؤمن على شرائط الصلاة، فإن خيف أذاه صلة خلفه دفعًا للمفسدة، ورجح العلماء ما ذهب إليه الجمهور من عدم اشتراط العدالة وصحة الصلاة خلف الفاسق ما لم يخل بشيء من أركان الصلاة، وإن كانت الصلاة خلف غيره أفضل والله أعلم