كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 5)

__________
خالف ذك مقته الله وتوعده بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى "لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم" وقد اختلف العلماء في الوعيد المذكور، فمنهم من قال هو على حقيقته، والمراد تشويه الوجه بتحويل خلقه بجعله موضع القفا أو نحو ذلك، فهو نظير ما تقدم فيمن رفع رأسه قبل الامام أن يجعل الله رأسه رأس حمار، وفيه من اللطائف وقوع الوعيد من جنس الجناية وهى المخالفة (قال الحافظ) وعلى هذا فهو واجب والتفريط فيه حرام، ويؤيد الوجوب حديث أبى أمامة بلفظ "لتسوُّن الصفوف أو لتطمسن الوجوه" أخرجه أحمد وفي إسناده ضعف اهـ "ومنهم من حمل الوعيد المذكور على المجاز" وتقدم كلام النووى على ذلك في شرح الحديث، وقال القرطبى معناه تفترقون فيأخذ كل واحد وجهاً غير الذي يأخذه صاحبه، لأن تقدم الشخص على غيره مظنة للتكبر المفسد للقلب الداعى إلى القطيعة (قال الحافظ) والحاصل أن المراد بالوجه إن حمل على العضو المخصوص فالمخالفة إما بحسب الصورة الانسانية أو الصفة أو جعل القدام وراء، وإن حمل على ذات الشخص فالمخالفة بحسب المقاصد، أشار إلى ذلك الكرمانى، ويحتمل أن يراد المخالفة في الجزاء فيجازى المسوّى بخير ومن لا يسوّى بشرّ، قال واستدل ابن حزم بقوله إقامة الصلاة على وجوب تسوية الصفوف (يعنى رواية البخارى عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سووا صفوفكم فان تسوية الصفوف من إقامة الصلاة) قال لأن إقامة الصلاة واجبة وكل شئ من الواجب واجب، ولا يخفى ما فيه ولاسيما وقد بينا أن الرواة لم يتفقوا على هذه العبارة، وتمسك ابن بطال بظاهر لفظ حديث أبى هريرة "يعنى الذي فيه - فان اقامة الصف من حسن الصلاة" فاستدل به على أن التسوية سنة، قال لأن حسن الشئ زيادة على تمامه، وأورد عليه رواية "من تمام الصلاة" وأجاب ابن دقيق العيد فقال قد يؤخذ من قوله تمام الصلاة الاستحباب، لأن تمام الشئ في العرف أمر زائد على حقيقته التي لا يتحقق إلا بها وإن كان يطلق بحسب الوضع على بعض ما لا تتم الحقيقة الا به كذا قال؛ وهذا الأخذ بعيد، لأن لفظ الشارع لا يحمل إلا على ما دل عليه الوضع في اللسان العربى، وانما يحمل على العرف اذا ثبت أنه عرف الشارع لا العرف الحادث اهـ (وذهب الجمهور) إلى أن اقامة الصفوف في الصلاة سنة (وذهب البخارى) إلى الوجوب، ولهذا ترجم في صحيحه "باب اثم من لم يتم الصفوف" وأورد فيه اثر أنس "أنه قدم المدينة فقيل له ما أنكرت منا منذ يوم عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال ما أنكرت شيئاً إلا أنكم لا تقيمون الصفوف" ورواه الامام أحمد أيضا وهو من أحاديث الباب، والظاهر أن البخارى رحمه الله تعالى أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم "سووا صفوفكم" ومن عموم قوله "صلوا كما رأيتمونى أصلى" ومن ورود الوعيد على تركه فرجح عنده بهذه القرائن

الصفحة 317