كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 5)
__________
ابن عباس عند الطبراني ما يدل على اعتبار المحرم فيما دون البريد، ولفظه "لا تسافر المرأة ثلاثة أميال إلا مع زوج أو ذى محرم" وهذا هو الظاهر أعنى الأخذ بأقل ما ورد لأن ما فوقه منهى عنه بالأولى، والتنصيص على ما فوقه كالتنصيص على الثلاث واليوم والليلة واليومين والليلتين لا ينافيه، لأن الأقل موجود فى ضمن الأكثر، وغاية الأمر أن النهى عن الأكثر يدل بمفهومه على أن ما دونه غير منهى عنه، والنهى عن الأقل منطوق وهو أرجح من المفهوم (وقالت الحنفية) إن المنع مقيد بالثلاث لأنه متحقق وما عداه مشكوك فيه، فيؤخذ بالمتيقن، ونوقض بأن الرواية المطلقة شاملة لكل سفرر؛ فينبغى الأخذ بها وطرح ما سواها فانه مشكوك فيه، والأولى أن يقال إن الرواية المطلقة مقيدة بأقل ما ورد، وهى رواية الثلاثة الأميال إن صحت وإلا فرواية البريد (وقال سفيان) يعتبر المحرم فى المسافة البعيدة لا القريبة (وقال أحمد) لا يجب الحج على المرأة اذا لم تجد محرمًا، والى كون المحرم شرطا فى الحج ذهبت العترة (وأبو حنيفة والنخعى وإسحاق والشافعى) فى أحد قوليه على خلاف بينهم هل هو شرط أداء أو شرط وجوب؟ (وقال مالك) وهو مروى عن (أحمد) انه لا يعتبر المحرم فى سفر الفريضة وروى عن (الشافعى) وجعلوه مخصوصا من عموم الأحاديث بالأجماع، ومن جملة سفر الفريضة سفر الحج، وأجيب بأن المجمع عليه إنما هو سفر الضرورة فلا يقاس عليه سفر الاختيار كذا قال صاحب المغنى، وأيضا قد وقع عند الدارقطنى بلفظ "ولا تحجن امرأة إلا ومعها زوج" وصححه أبو عوانة (وفى رواية) للدارقطنى أيضا عن أبى امامة مرفوعا "ولا تسافر المرأة سفر ثلاثة أيام أو تحج إلا ومعها زوجها" فكيف يخص سفر الحج من بقية الأسفار؛ وقد قيل إن اعتبار المحرم إنما هو فى حق من كانت شابة لا فى حق العجوز لأنها لا تشتهى، وقيل لا فرق لأن لكل ساقط لاقطا، وهو مراعاة للأمر النادر، وقد احتج أيضا من لم يعتبر المحرم فى سفر الحج بما فى البخارى من حديث عدى بن حاتم مرفوعا بلفظ "يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا جوار معها" وتعقب بأنه يدل على وجوب ذلك لا على جوازه، وأجيب عن هذا بأنه خبر فى سياق المدح ورفع منار الأسلام، فيحمل على الجواز، والأولى حمله على ما قال المتعقب جمعا بينه وبين أحاديث الباب أفاده الشوكانى (وفى أحاديث الباب أيضا) أن من كان له أكثر من زوجة وأراد السفر باحداهن يستحب له الأقراع بينهن تطبيبا لخاطرهن فمن خرج سهمها أخذها معه (وفيها أيضا) استحباب الرفق بالنساء فى السفر ومراعاة راحتهن لأنهن ضعيفات لا يتحملن ما يتحمله الرجل (وفيها أيضا) جواز الحداء وهو بضم الحاء ممدود، وجواز السفر بالنساء ومباعدتهن من الرجال، ومن سماع كلامهم إلا الوعظ ونحوه، وفيها غير ذلك والله أعلم