كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 6)

-[مذاهب العلماء في حكم الكلام والامام يخطب]-
.....
__________
ركعتين فحرم بينهما الكلام {وذهبت الشافعية} فى أصح القولين عندهم الى أنه لا يحرم الكلام بل يكره كراهة تنزيه، قال النووى وبه قال عروة بن الزبير وسعيد بن جبير والشعبى والنخعى والثورى وداود، قال واحتج أصحابنا بالأحاديث الصحيحة المشهورة أن النبى صلى الله عليه وسلم تكلم فى خطبته يوم الجمعة مرات، وبحديث أنس قال "دخل رجل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة فقال يا رسول الله متى الساعة فأشار اليه الناس أن اسكت، فسأله ثلاث مرات كل ذلك يسيرون اليه أن اسكت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك ما أعددت لها" رواه البيهقى باسناد صحيح {وعن أنس أيضاً} قال "بينما النبى صلى الله عليه وسلم يخطب فى يوم الجمعة قام أعرابى فقال يا رسول الله هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا فرفع يديه وذكر حديث الاستسقاء" رواه البخارى ومسلم {قلت سيأتى للأمام أحمد فى أبواب الاستسقاء} قال وأجابوا عن الآية أنها محمولة على الاستحباب جمعاً بين الأدلة، هذا إن سلّمنا أن المراد الخطبة وأنها داخلة فى المراد، وعن حديث أبى هريرة أن المراد باللغو الكلام الفارغ ومنه لغو اليمين، وعن حديث أبى الدرداء أن المراد نقص جمعته بالنسبة الى الساكت، وأما القياس على الصلاة فلا يصح لأنها تفسد بالكلام بخلاف الخطبة اهـ ج {قلت} وأدلة الشافعية فيها نظر لأنها أخص من الدعوى، وغاية ما فيها أن يكون عموم الأمر بالأنصات مخصَّصاً بالسؤال {واختلفوا أيضاً} فى النهى عن الكلام هل هو فى حال الخطبة فقط، أو من ابتداء جلوس الأمام على المنبر؟ (قال النووى) إنما هو فى حال الخطبة، قال وهذا مذهبنا ومذهب مالك والجمهور {قلت} وبه قال عطاء وطاوس والزهرى وبكر المزنى والنخعى وإسحاق ويعقوب ومحمد وروى ذلك عن ابن عمر وكرهه الحكم {وقال أبو حنيفة} اذا خرج الأمام حرم الكلام، قال ابن عبد البر إن عمر وابن عباس كانا يكرهان الكلام والصلاة بعد خروج الأمام {واختلفوا أيضاً} اذا لم يسمع الأمام هل يلزمه الأنصات كما لو سمعه؟ قال الجمهور يلزمه، وقال النخعى وأحمد وهو أحد قولى الشافعى لا يلزمه، قال القاضى عياض {ونقل ابن قدامة فى المغنى} أن الكلام الواجب كتحذير الضرير من البئر أو من يخاف عليه ناراً أو حيّة أو حريقاً ونحو ذلك فله فعله، لأن هذا يجوز فى نفس الصلاة مع إفسادها فهاهنا أولى، فأمّا تشميت العاطس ورد السلام ففيه روايتان، قال الأثرم سمعت أبا عبد الله (يعنى الأمام أحمد رحمه الله) سئل يرد الرجل السلام يوم الجمعة؟ فقال نعم، ويشمت العاطس؟ فقال نعم والأمام يخطب، قال أبو عبد الله قد فعله غير واحد، قال ذلك غير مرة، وممن رخص فى ذلك الحسن الشعبى والنخعى والحكم وقتادة والثورى وإسحاق وذلك لأن هذا واجب فوجب الأتيان به فى الخطبة لتحذير الضرير {والرواية الثانية} إن كان لا يسمع ردّ السلامَ وتشميت العاطس، وإن كان يسمع

الصفحة 103