كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 6)
-[كلام العلماء في حكم من زوحم فلم يمكنه السجود على الأرض]-
.....
__________
وأبي يوسف {قلت} وخالفهما محمد فذهب الى ما ذهب اليه الأولون محتجاً بحديثى الباب والله أعلم بالصواب {ومنها} اذا اشتد الزحام فى صلاة الجمعة جاز للرجل أن يسجد على ظهر أخيه لأثر عمر بن الخطاب رضى الله عنه (قال ابن قدامة) فى المغنى ومتى قدر المزحوم على السجود على ظهر إنسان أو قدمه لزمه ذلك وأجزأه، قال احمد فى رواية أحمد بن هاشم يسجد على ظهر الرجل والقدم ويمكّن الجبهة والأنف فى العيدين والجمعة، وبهذا قال الثورى {وأبو حنيفة والشافعى} وأبو ثور وابن المنذر {وقال عطاء والزهرى ومالك} لا يفعل؛ قال مالك وتبطل الصلاة إن فعل، لقول النبى صلى الله عليه وسلم "ومكن جبهتك من الأرض" ولنا ما روى عن عمر رضى الله عنه أنه قال "اذا اشتد الزحام فليسجد على ظهر يظهر له مخالف فكان إجماعاً، ولأنه أتى بما يمكنه حال العجز فصح كالمريض يسجد على المرفقة، والخبر لم يتناول العاجز لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها ولا يأمر العاجز عن الشيء بفعله اهـ {فائدة} الحكمة فى ذكر مسألة الزحام فى صلاة الجمعة أنها تفارق غيرها من الصلوات لأن الزحمة فيها أكثر، ولأن الجماعة شرط فيها بل اشترط بعض الأئمة صلاتها فى المسجد وأنها لا تصح إلا فيه، لهذا كانت صلاة من زوحم فسجد على ظهر أخيه جائزة لأنه اذا لم يكن كذلك لزم حرمانه من صلاتها ودين الله يسر (قال الشوكانى رحمه الله) ذهب الهادى الى اشتراط المسجد، قال لأنها لم تقم إلا فيه {قلت والمالكية أيضاً} قال وقال أبو حنيفة والشافعى والمؤيد بالله وسائر العلماء إنه غير شرط، قالوا إذ لم يفصّل دليلها؛ قال فى البحر قلت وهو قوى إن صحت صلاته صلى الله عليه وسلم فى بطن الوادى؛ وقد روى صلاته صلى الله عليه وسلم فى بطن الوادى ابن سعد وأهل السير؛ ولو سلم عدم صحة ذلك لم يدل فعلها فى المسجد على اشتراطه اهـ (وقال الأمام ابن رشد) فى كتابه بداية المجتهد بعد أن ذكر شروط الجمعة واختلاف العلماء فيها قال، والسبب فى اختلافهم فى اشتراط الأحوال والأفعال المقترنة بها هو كون بعض تلك الأحوال أشد مناسبة لأفعال الصلاة من بعض، ولذلك اتفقوا على اشتراط الجماعة إذ كان معلوماً من الشرع أنها حال من الأحوال الموجودة فى الصلاة، ورأى المسجد شرطاً لكونه أقرب مناسبة، حتى لقد اختلف المتأخرون من أصحابه هل من شرط المسجد السقف أم لا؟ وهل من شرطه أن تكون الجمعة راتبة فيه أم لا؟ وهذا كله لعله تعمق فى هذا الباب ودين الله يسر، ولقائل أن يقول إن هذه لو كانت شروطاً فى صحة الصلاة لما جاز أن يسكت عنها عليه الصلاة والسلام ولا أن يترك بيانها لقوله تعالى