كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 6)

-[كلام العلماء في حكم صلاة العيدين واستحباب فعلها في الصحراء واتخاذ الحربة]-
.....
__________
الضعيف أو اليوم المطير فتصلى فى المسجد، والى ذلك ذهب جمهور السلف والخلف والأئمة الثلاثة {أبو حنيفة ومالك واحمد وغيرهم} محتجين بمواظبته صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده على ذلك؛ ولقول على رضى الله عنه "لولا أن الخروج الى الجبّانة لصلاة العيد هو السنة لصليت فى المسجد" الجبّانة والجبّان - الصحراء- وتسمى بهما المقابر لأنها تكون فى الصحراء تسمية للشئ بموضعه (قال ابن قدامة فى المغنى) السنة أن يصلى العيد فى المصلَّى أمر بذلك على رضى الله عنه، واستحسنه الأوزاعى وأصحاب الرأى وهو قول ابن المنذر (وحكى عن الشافعى) إن كان مسجد البلد واسعاً فالصلاة فيه أولى، لأنه خير البقاع وأطهرها، ولذلك يصلى أهل مكة فى المسجد الحرام، ولنا أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يخرج الى المصلَّى ويدع مسجده وكذلك الخلفاء بعده، ولا يترك النبى صلى الله عليه وسلم الأفضل مع قربه ويتكلف فعل الناقص مع بُعده، ولا يشرع لأمته ترك الفضائل؛ ولأننا قد أمرنا باتباع النبى صلى الله عليه وسلم والاقتداء به، ولا يجوز أن يكون المأمور به هو الناقص والمنهى عنه هو الكامل، ولم ينقل عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه صلى العيد بمسجده إلا من عذر، ولأن هذا إجماع المسلمين فان الناس فى كل عصر ومصر يخرجون الى المصلَّى فيصلون العيد فى المصلَّى مع سعة المسجد وضيقه؛ وكان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى فى المصلَّى مع شرف مسجده، وصلاة النفل فى البيت أفضل منها فى المسجد مع شرفه، قال وإن كان عذر يمنع الخروج من مطر أو خوف أو غيره صلوا فى الجامع كما روى أبو هريرة أنه أصابهم مطر فى يوم عيد فصلى النبى صلى الله عليه وسلم صلاة العيد فى المسجد، رواه أبو داود وابن ماجه {المسألة الخامسة} مشروعية السترة للمصلى والاحتياط للصلاة وأخذ آلة لدفع ضرر الأعداء لاسيما فى السفر (وقد اختلف) فى الحربة التى كان النبى صلى الله عليه وسلم يضعها أمامه فى العيدين، فروى عمر بن شبة فى أخبار المدينة من حديث سعد القرط أن النجاشى أهدى إلى النبى صلى الله عليه وسلم حربة فأمسكها لنفسه فهى التي يمشى بها مع الأمام يوم العيد، ومن طريق الليث أنه بلغه أن العنَزة التى كانت بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم كانت لرجل من المشركين فقتله الزبير بن العوام يوم أحُد فأخذها منه النبى صلى الله عليه وسلم فكان ينصبها بين يديه اذا صلى، ويحتمل الجمع بأن عنزة الزبير كانت أوَّلاً قبل حربة النجاشى؛ أفاده الحافظ والله أعلم- هذا {وقد اختلف الأئمة} فى حكم صلاة العيدين فذهبت طائفة الى أنها واجبة، وذهب قوم الى أنها فرض كفاية، وذهب آخرون الى أنها سنة مؤكدة (قال ابن قدامة فى المغنى) الأصل فى صلاة العيد الكتاب والسنة والأجماع (أما الكتاب) فقول الله تعالى {فصل لربك وانحر} المشهور فى التفسير أن المراد بذلك صلاة العيد (وأما السنة) فثبت بالتواتر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى صلاة العيدين، قال ابن عباس رضى الله عنهما شهدت صلاة الفطر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر فكلهم كان يصليها قبل الخطبة، وعنه

الصفحة 139