كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 6)

-[مذاهب الأئمة في التكبير عقب الصلوات في أيام التشريق]-
.....
__________
{وقصارى القول} أن أحاديث الباب مع ما ذكرنا في الشرح من الأحاديث والآثار تدل على مشروعية التكبير في هذه الأيام، لكن منه ما هو مطلق وما هو مقيد (فالمطلق) التكبير من أول العشر إلى آخر أيام التشريق لقوله تعالى {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} وقال {واذكروا الله في أيام معدودات} فالأيام المعلومات أيام العشر، والمعدودات أيام التشريق، قاله ابن عباس (وأما المقيد) فهو التكبير في أدبار الصلوات، ولا خلاف بين العلماء في مشروعية التكبير في عيد النحر، وإنما اختلفوا في مدته {فذهب الأمام أحمد} رحمه الله الى أنه من صلاة الفجر يوم عرفة الى العصر من آخر أيام التشريق، وهو قول عمرو وعلى وابن عباس وابن مسعود رضى الله عنهم، واليه ذهب الثورى وابن عيينة وأبو يوسف ومحمد {وهو قول للشافعى} واختاره الشافعية، وعن ابن مسعود أنه كان يكبر من غداة عرفة الى العصر من يوم النحر {واليه ذهب النخعى وعلقمة وأبو حنيفة} لقوله تعالى {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} وهى أيام العشرة، وأجمعنا على أنه لا يكبر قبل عرفة فلم يبق إلا يوم عرفة ويوم النحر، وعن ابن عمر وعمر بن عبد العزيز أن التكبير من صلاة الظهر يوم النحر إلى الفجر من آخر أيام التشريق، وبه قال {مالك والشافعى} في المشهور عنه، لأن الناس تبع للحاج يقطعون التلبية مع أول حصاة ويكبرون مع الرمى، وإنما يرمون يوم النحر، وأول صلاة بعد ذلك الظهر، وآخر صلاة بمنى الفجر من اليوم الثالث من أيام التشريق {واحتج الأولون بحديث جابر} قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا صلى الصبح من غداة عرفة أقبل على أصحابه فيقول على مانكم ويقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد" فيكبر من غداة عرفة الى العصر من آخر أيام التشريق {وعن على وعمار} رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم "كان يكبر يوم عرفة صلاة الغداة ويقطعها صلاة العصر آخر أيام التشريق" رواهما الدارقطني إلا أنهما من رواية عمرو بن شمر عن جابر الجعفي وقد ضعفا، ولأنه قول عمر وعلى وابن عباس رواه سعيد عنهم (قال ابن قدامة) قيل لأحمد بأي حديث تذهب إلى التكبير من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق؟ قال لإجماع عمر وعلى وابن عباس، ولأن الله تعالى قال {واذكروا الله في أيام معدودات} وهى أيام التشريق فيتعين الذكر في جميعها، وأما قوله تعالى {ويذكرون اسم الله في أيام معلومات} فمحمول على ذكر الله على الهدايا والأضاحى عند رؤيتها فانه مستحب في جميع العشر، وهو أولى من تفسيرهم، لأنهم لم يعملوا به في كل العشر ولا في أكثره، ولو صح تفسيرهم فقد أمر الله بالذكر في أيام معدادات وهى أيام التشريق فيعمل به أيضاً؛ وأما المحرِم فانما لم يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة لاشتغاله عنها بالتلبية كما ذكروا، وغيره يبتدئ من غداة يوم عرفة لعدم المنافع، وقولهم إن الناس في هذا تبع للحاج مجرد دعوى بغير دليل، وقولهم إن آخر صلاة

الصفحة 171