كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 6)

-[بحث نفيس للحافظ ابن القيم في معنى تجلى الله عز وجل لشيء من خلقه]-
وجلَّ لشيء من خلقه خشع له
__________
تعالى {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً} قال المفسرون أى ظهر من نوره قدر نصف أنملة، وكأنهم أخذوا ذلك من حديث رواه الحاكم بسنده الى سليمان بن حرب قال ثنا حماد بن سلمة قال أنبأنا ثابت عن أنس رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل {فلما تجلىَّ ربه للجبل جعله دكا} قال حماد هكذا، ووضع الابهام على مفصل الخنصر الأيمن؛ قال فقال حميد لثابت تحدث بمثل هذا؟ قال فضرب ثابت صدر حميد ضربة بيده وقال - رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث به وأنا لا أحدث به" قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم {قلت} وأقره الذهبى {تخريجه} (د. نس. جه. ك) وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ {قلت} وأقره الذهبى، وأخرجه الشيخان أيضاً ولكن بغير هذا اللفظ كما قال الحاكم وبدون قوله فاذا تجلىَّ الله الخ الحديث، وفي كتاب مفتاح السعادة للحافظ ابن القيم، قال أبو حامد الغزالى هذه الزيادة لم يصح نقلها "يعنى فاذا تجلى الله عز وجل لشيء من خلقه خشع له" فيجب تكذيب ناقلها (قال الحافظ ابن القيم) إسناد هذه الزيادة لا مطعن فيه ورواته كلهم ثقات حفاظ، ولكن لعل هذه اللفظة مدرجة في الحديث من كلام بعض الرواة ولهذا لا توجد في سائر أحاديث الكسوف، فقد رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم تسعة عشر صحابياً {ذكر منهم أحد عشروهم} عائشة وأسماء بنت أبى بكر وعلى بن أبى طالب وأبىّ بن كعب وأبو هريرة وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو وجابر بن عبد الله وسمرة بن جندب وقبيصة الهلالى وعبد الرحمن بن سمرة {قلت والباقى بلال وابن عمر وأبو موسى الأشعرى وأبو مسعود البدرى الأنصارى وعبد الله بن مسعود والمغيرة بن شعبة وأبو بكرة وحذيفة بن اليمان، هؤلاء تسعة عشر صحابياً، وقد وقفت على غيرهم وهم محمود بن لبيد وعقبة بن عامر وأبو الدرداء وأم سفيان رضى الله عنهم أجمعين} قال فلم يذكر أحد منهم في حديثه هذه اللفظة، فمن هنا يخاف أن تكون أدرجت في الحديث إدراجاً في الحديث إدراجاً وليست في لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أن هنا مسلكاً بديع المأخذ لطيف المنزع يقبله العقل السليم والفطرة السلمة، وهو أن كسوف الشمس والقمر يوجب لهما من الخشوع والخضوع بانمحاء نورهما وانقطاعه عن هذا العامل ما يكون فيه ذهاب سلطانهما وبهائمها، وذلك يوجب لا محالة لهما من الخشوع والخضوع لرب العالمين وعظمته وجلاله ما يكون سبباً لتجلى الرب تعالى لهما، ولا يستلزم أن يكون تجلى الله سبحانه لهما في وقت معين كما يدنو من أهل الموقف عشية عرفة فيحدث لهما ذلك التجلى خشوعاً آخر ليس هذا الكسوف، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى اذا تجلى لهما انكسفا، ولكن اللفظ

الصفحة 195