كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 6)

-[بحث نفيس للامامين الغزالي والسبكي في أن ما قاله علماء الفلك في الكسوف لا يصادم الشرع]-
.....
__________
عند أحمد والنسائى إن الله تعالى اذا بدا لشيء من خلقه خشع له، ولفظ ابن ماجه "فإذا تجلى الله تعالى لشيء من خلقه خشع له "فهاهنا خشوعان، خشوع أوجب كسوفهما بذهاب ضوئهما وانمحائه فتجلى الله لهما فحدث لهما عند تجليه تعالى خشوع آخر بسبب التجلى كما حدث للجبل إذ تجلى له تعالى خشوع أن صار دكاً وساخ في الأرض وهذا غاية الخشوع، لكن الرب تعالى يثبتهما لتجلية عناية بخلقة لانتظام مصالحهم بهما، ولو شاء سبحانه لثبت الجبل لتجليه كما يثبتهما، ولكن أرى كليمه أن الجبل العظيم لم يطق الثبات لتجليه له، فكيف تطبق أنت الثبات للرؤية التي سألتها {وقال القاضى تاج الدين السبكى} في منع الموانع الكبير، الخلاف بين الفلاسفة وغيرهم من الفرق ثلاثة أقسام، قسم لا يصدم مذهبهم فيه أصلاً من أصول الدين وليس من ضرورة الشرع منازعتهم فيه {قال الغزالي} في كتاب "تهافت الفلاسفة" كقولهم خسوف القمر عبارة عن انمحاء ضوئه بتوسط الأرض بينه وبين الشمس من حيث أنه يقتبس نوره من الشمس، والأرض كرة والسماء محيطة بها من الجوانب، فإذا وقع القمر في ظل الأرض انقطع عنه نور الشمس، وكقولهم إن خسوف الشمس معناه وقوف جرم القمر بين الناظر وبين الشمس، وذلك عند اجتماعهما في العقدتين على دقيقة واحدة، وهذا الفن لسنا نخوض في إبطاله، إذ لا يتعلق به غرض، قال الغزالي ومن ظن أن المناظرة في إبطال هذا من الدين فقد جنى على الدين وضعّف أمره، وان هذه الأمور يقوم عليها براهين هندسية حسابية لا يبقى معها ريبة، فمن يطلع عليها ويحقق أدلتها حتى يخبر بسببها عن وقت الكسوف وقدره ومدة بقائه الى الانجلاء اذا قيل له إن هذا على خلاف الشرع لم يسترب فيه وإنما يستريب في الشرع، وضر والشرع ممن ينصره لا بطريقة أكثر من ممن يطعن فيه؛ وهو كما قيل عدو عاقل خير من صديق جاهل {فان قيل} فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحايته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا الى ذكر الله والصلاة" فكيف يلائم هذا ما قالوه؟ {قلنا} ليس في هذا لا يناقض ما قالوه، إذ ليس فيه إلا نفى الكسوف لموت أحد وحياته والأمر بالصلاة عنده، والشرع الذي يأمر بالصلاة عند الزوال والغروب وا لطلوع من أين يبعد منه أن يأمر عند الخسوف بهما استحباباً {فإن قيل} فقد روى في آخر الحديث ولكن الله اذا تجلى لشيء خشع له، فيدل أن الكسوف خشوع بسبب التجلى {قلنا} هذه الزيادة لم يصح نقلها فيجب تكذيب ناقلها، ولو كان صحيحاً لكان تأويله أهون من مكابرة أمور قطيعة، فكم من ظواهر أوّلت بالأدلة العقلية التي لا تنتهي في الوضوح الى هذا الحد، وأعظم ما يفرح به الملحد أن يصرح ناصر الشرع بأن هذا وأمثاله على خلاف الشرع فيسهل عليه طريق إبطال الشرع، {قال التاج السبكي} وهو صحيح غير أن إنكار حديث "ان الله تعالى اذا تجلى لشئ من خلقه

الصفحة 196