كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 6)
-[خرق العادة للنبي صلى الله عليه وسلم وشيء من معجزاته]-
ثمَّ انصرف وقد تجلت الشَّمس فقال إنَّ الشَّمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحدٍ ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله؛ قالوا يا رسول الله رأيناك تناولت شيئًا في مقامك ثمَّ رأيناك تكعكعت فقال إنِّي رأيت الجنَّة تناولت منها عنقودًا ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدُّنيا
__________
الإمام أحمد رحمه الله رجع إلى رواية إسحاق بن عيسى فأكمل بها الحديث، وهي من قوله ثم انصرف وقد تجلت الشمس إلخ الحديث (1) أي تأخرت يقال كعَّ الرجل إذا نكص على عقبيه، قال الخطابي أصله تكعَّعْت فاستثقلوا اجتماع ثلاث عينات فأبدلوا من أحدهما حرفاً مكرراً (2) ظاهرة أنها رؤية عين فمن العلماء من حمله على أن الحجب كشفت له صلى الله عليه وسلم دونها فرآها على حقيقتها وطويت المسافة بينهما حتى أمكنه أن يتناول منها العنقود وهذا أشبه بظاهر الحديث، ويؤيده حديث أسماء قبل حديث واحد من هذا الباب وفيه " دنت مني الجنة حتى اجترأت لجئتكم بقطاف من قطافها" ومنهم من حمله على أنها مثلت له في الحائط كما تنطبع الصور في المرأة فرأى جميع ما فيها، ويؤيده حديث أنس عند البخاري في التوحيد "لقد عرضت على الجنة والنار آنفًا في عرض هذا الحائط وأنا أصلي" وفي رواية "لقد مثلت" ولمسلم (لقد صورت) قال الحفاظ ولا يرد على هذا، الانطباع إنما هو في الأجسام الصقيلة لأنا نقول هو شرط عادي فيجوز أن تتخرق العادة خصوصاً للنبي صلى الله عليه وسلم لكن هذه قصة أخرى وقعت في صلاة الظهر، ولا مانع أن يرى الجنة والنار مرتين بل مرارًا على صور مختلفة، وأبعد من قال إن المراد بالرؤية رؤية العلم (يعني بطريق الوحي) قال القرطبي لا إحالة في إبقاء هذه الأمور على ظواهرها لا سيما على مذهب أهل السنة في أن الجنة والنار قد خلقتا ووجدتا فيرجع إلى أن الله تعالى خلق لنبيه صلى اله عليه وسلم إدراكًا خاصًا به أدرك به الجنة والنار على حقيقتهما أهـ (3) ظاهر قوله "ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا" أنه لم يأخذه، وهو ينافي ما قبله من قوله "تناولت منها عنقودًا" قال الحافظ (وأجيب) بحمل التناول على تكلف الآخذ لا حقيقة الأخذ، وقيل المراد تناولت لنفسي ولو أخذته لأكلتم، حكاه الكرماني وليس بجيد، وقيل المراد بقوله تناولت أي وضعت يدي عليه بحيث كنت قادرًا على تحويله لكن لم يقدر لي قطفه ولو أصبته أي لو تمكنت من قطفه، ويدل عليه قوله في حديث عقبة بن عامر ابن خزيمة أهوى بيده يتناول شيئًا وللمصنف (يعني البخاري) في حديث أسماء في أوائل الصلاة حتى لو اجترأت عليها، وكأنه لم يؤذن له في ذلك