كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 6)

-[حجة القائلين بمشروعية الخطبة بعد الصلاة لصلاة الكسوف]-
قالت خسفت الشَّمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت على عائشة فقلت ما شأن النَّاس يصلُّون؟ فأشارت برأسها إلى السَّماء فقلت آية قالت نعم، فأطال رسول الله صلى الله عليه وسلم القيام جدًا حتَّى تجلَّاني الغشى، فأخذت قربةً إلى جنبي، فجعلت أصبُّ على رأسي الماء، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تجلَّت الشَّمس، فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال أمَّا بعد ما من شيءٍ لم أكن رأيته إلّا قد رأيته في مقامي هذا حتَّى الجنَّة والنَّار إنه قد أوحي إلىَّ أنَّكم تفتنون في القبور قريبًا أو مثل فتنة المسيح
__________
وبنت عمه، كانت من فضليات النساء وثقها الحفاظ (1) يعني انكسفت الشمس، وفيه امتناع الكلام بالصلاة وجواز الإشارة، ولا كراهة فيها إذا كانت لحاجة (2) بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي هذه علامة للعذاب كأنها متقدمة له، قال تعالى: {وما نرسل بالآيات إلا تخويفا} وعلامة لقرب زمان قيام الساعة، ويجوز حذف همزة الاستفهام كما هنا وإثباتها (3) بفوقيه وجيم ولام ثقيلة أي غطاني (والغشى) بفتح الغين وإسكان الشين المعجمتين، وروى أيضًا بكسر الشين وتشديد الياء؛ طرف من الإغماء من طول تعب الوقوف، والمراد به هنا الحالة القريبة منه، فأطلقته مجازًا، ولذلك قالت: "فجعلت أصب على رأسي الماء" أي في تلك الحالة ليذهب، فأنّ توليها الصب يدل على أن حواسها كانت مدركة، وذلك لا ينقض الوضوء ولا يبطل الصلاة أيضًا، لأنه محمول على أن أفعالها كانت غير متوالية، وهو الواقع لأنها ما كانت تصب إلا عند شعورها بالتعب، ووهم من قال إن صبها كان بعد الأفاقة، قال ابن بطال الغشى مرض بمرض من طول التعب والوقوف، وهو ضرب من الإغماء إلا أنه دون، ولو كان شديدًا لكن كالإغماء، وهو ينقض الوضوء بالإجماع (4) فيه مشروعية الخطبة بعهد صلاة الكسوف وهو حجة للشافعية ومن وافقهم (5) ضبط بالحركات الثلاث فيهما كما قال الحافظ وغيره، ومفاد الأغياء أنه لم يرهما مع أنه رآهما ليلة المعراج وهو (6) أي تمتحنون وتختبرون، قال الباجي يقال إنه أعلم بذلك في ذلك الوقت، وليس الاختبار في القبر بمنزلة التكاليف والعبادة، وإنما معناه إظهار العمل وإعلام بالمآل والعاقبة

الصفحة 220