كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 6)

-[معنى غيرة الله عز وجل وتقبيح الزنا]-
من الله عزَّ وجلَّ أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمَّة محمَّدٍ والله لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرًا ولضحكتم قليلًا، ألا هل بلَّغت؟
__________
وعلى أن من زائدة، ويجوز فيه الرفع على لغة تميم، وأغير مخفوض بالفتحة صفحة لأحد، والخبر محذوف تقديره موجود قاله الحافظ، قال وأغير أفعل تفضيل من الغيرة بفتح الغين المعجمة، وهي في اللغة تغير يحصل من الحمية والأنفة، وأصلها في الزوجين والآهلين، وكل ذلك محال على الله تعالى لأنه منزه عن كل تغير ونقص، فيتعين حمله على المجاز، فقيل لمَّا كانت ثمره الغيرة صون الحريم ومنعهم وزجر من يقصد إليهم أطلق عليه ذلك لكونه منع من فعل ذلك وزجر فاعله وتوعده، فهو من باب تسمية الشيء بما يترتب عليه، وقال ابن فورك المعنى ما أحد أكثر زجرًا عن الفواحش من الله، وقال غيرة الله ما يغَّير من حال العاصي بانتقامه منه في الدنيا والآخرة أو في إحداهما؛ ومنه قوله تعالى: {أن الله لا يغيَّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم} وقال ابن دقيق العيد أهل التنزيه في مثل هذا على قولين، إما ساكت وإما مؤوّل على أن المراد بالغيرة شدة المنع؟ فهو من مجاز الملازم، وقال الطيبي وغيره وجه اتصال هذا المعنى بما قبله من قوله {فاذكروا الله} إلخ من جهة أنه لما أمروا باستدفاع البلاء بالذكر والصلاة والصدقة ناسب ردعهم عن المعاصي التي هي من أسباب جلب البلاء، وخص منها الزنا لأنه أعظمها في ذلك، وقيل لمّا كانت هذه المعصية من أقبح المعاصي وأشدها تأثيرًا في إثارة النفوس وغلبة الغضب ناسب ذلك تخويفهم في هذا المقام من مؤاخذه رب الغيرة وخالقها سبحانه وتعالى أهـ (وقوله) أن يزني عبده أو تزني أمته متعلق بأغير وحذف من قبل أن قياس مستمر، وتخصيصها بالذكر رعاية لحسن الأدب مع الله لتنزهه عن الزوجة والأهل ممن يتعلق بهم الغيرة غالبًا، ثم كرر النداء فقال (يا أمة محمد) ويؤخذ منه أن الواعظ ينبغي له حال وعظه أن لا يأتي بكلام فيه تفخيم نفسه بل يبالغ في التواضع لأنه أقرب إلى انتفاع السامع (1) صدّر هذه الجملة بالقسم لتأكيد الخبر وأن كان السامع غير شاك فيه (قال الحافظ) وقوله لو تعلمون ما أعلم أي من عظيم قدره الله وانتقامه من أهل الإجرام، وقيل معناه لو دام علمكم كما دام علمي لأن علمه صلى الله عليه وسلم متواصل بخلاف غيره، وقيل معناه لو علمتم من سعة رحمة الله وحلمه وغير ذلك ما أعلم لبكيتم على ما فاتكم من ذلك (وقوله ولضحكتم قليلا) قيل معنى القلة هنا العدم، والتقدير لتركتم الضحك ولم يقه منكم إلا نادرًا لغلبة الخوف واستيلاء الحزن، وحكى ابن بطال عن المهلب أن سبب ذلك ما كان عليه الأنصار من محبة اللهو والغناء وأطال في تقرير ذلك بما لا طائل فيه ولا دليل

الصفحة 226