كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 6)

-[حجة القائلين بمشروعية الخطبة بعد صلاة الكسوف]-
.....
__________
الاتباع والخصائص لا تثبت إلا بالدليل؛ وقد استضعف ابن دقيق العيد التأويل المذكور قال إن الخطبى لا تنحصر مقاصدها في شيء معين بعد الآتيان بما هو المطلوب منها من الحمد والثناء والموعظة، وجميع ما ذكر من سبب الكسوف، فينبغي التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم فيذكر الإمام ذلك في خطبة الكسوف، نعم نازع ابن قدامة في كون خطبة الكسوف كخطبتي الجمعة والعيدين إذ ليس في الأحاديث المذكورة ما يقتضي ذلك، وإلى ذلك نحا ابن المنير في حاشيته ورد على من أنكر أصل الخطبة لثبوت ذلك صريحًا في الأحاديث، وذكر أن بعض أصحابهم احتج على ترك الخطبة بأنه لم ينقل في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم صعد المنبر، ثم زيفه بأن المنبر ليس شرطًا ثم لا يلزم من أنه لم يذكر أنه لم يقع أهـ. (قلت) رحم الله بن المنير لأنه لو اطلع على حديث أسماء عند الإمام أحمد وهو الحديث الرابع من أحاديث الباب "وفيه التصريح بذكر المنبر" لما احتاج إلى تزييف أقوالهم بهذا التكلف بل كان أفحمهم بحديث أسماء المذكور حيث جاء فيه "ثم سلَّم وقد تجلت، ثم رقِى المنبر فقال أيها الناس- الحديث" ومن الغريب أن الحافظ رحمه الله نقل عبارة بن المنير ولم يعلق عليها بشيء، وكأنه لم يطلع أيضًا على حديث أسماء عند الإمام أحمد، ولا غرابة، فسند الإمام أحمد رحمه اله كالبحر المحيط، فكم فيه من جواهر عسى اهتداء كثير من الحفاظ والمحدثين إليها وذلك لعدم ترتيبه، وقد هداني الله جل شأنه لهذا الترتيب فأصبح سهل التناول على عوام الناس فضلاً عن خواصهم "فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله" (وفي أحاديث الباب أيضًا) استحباب قول أما بعد في خطبة الكسوف لحديث سمرة بن جندب، وكذا في خطيب الوعظ المطلقة، وفي الجمعة والعيدين، وكذا في خطب الكتب المصنفة ونحو ذلك، وقد ترجم له البخاري فقال "باب قول الإمام في خطبته أما بعد" وذكر فيه حديثًا لأسماء مختصرًا معلقًا فقال: "قال أبو أسامة حدثنا هشام قال أخبرني فاطمة بنت المنذر عن أسماء قالت فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تجلت الشمس فخطب فحمد اله بما هو أهله ثم قال أما بعد" وفيه حجة لمن بمشروعية الخطبة في الكسوف، وتقدم الكلام على معنى " أما بعد" في شرح حديث جابر رقم 1585 في باب ما جاء الخطبتين من أبواب الجمعة (وفيها أيضًا) المبادرة بالصلاة والدعاء والتكبير والصدقة والعتاقة لأن ذلك يدفع البلاء والعذاب والكسوف من جملة الآيات المنذرة بذلك (وفيها أيضًا) الزجر عن كثرة الضحك والحث على كثرة البكاء والتحقق بما سيصير إليه المرء من الموت والفناء والاعتبار بآيات الله (وفيها) الرد على من زعم أن للكواكب تأثيرًا في الأرض لانتفاء ذلك عن الشمس والقمر فكيف بما دونهما؟

الصفحة 228