كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 6)

-[كلام العلماء في وجوب الجمعة وإنها فرض عين]-
.....
__________
فتركوه لأنه لا يجوز لأحد أن يترك ما فرض الله عليه وهو مؤمن، وإنما يدل والله أعلم أنه فرض عليهم يوم من الجمعة وكُل الى اختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم فاختلفوا (وقال النووى) يمكن أن يكونوا أمروا به صريحاً فاختلفوا هل يلزم تعيينه أم يسوغ إبداله بيوم آخر فاجتهدوا في ذلك فأخطأوا اهـ (قال الحافظ) ويشهد له ما رواه الطبرانى بإسناد صحيح عن مجاهد في قوله تعالى {إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه} قال أرادوا الجمعة فأخطأوا وأخذوا السبت مكانه، ويحتمل أن يراد بالاختلاف اختلاف اليهود والنصارى في ذلك، وقد روى ابن أبى حاتم من طريق اسباط بن نصر عن السدى التصريح بأنهم فرض عليهم يوم الجمعة بعينه فأبوا ولفظه "إن الله فرض على اليهود الجمعة فأبوا وقالوا يا موسى إن الله لم يخلق في يوم السبت شيئاً فاجعله لنا فجعل عليهم" وليس ذلك بعجيب من مخالفتهم كما وقع لهم في قوله تعالى {ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة} وغير ذلك؛ وكيف لا وهم القائلون سمعنا وعصينا اهـ وقد استنبط البخارى من هذا الحديث (أعنى الحديث الأول من أحاديث الباب) فرضية صلاة الجمعة وبوَّب عليه "باب فرض الجمعة" وصرح النووى والحافظ بأنه يدل على الفرضية لقوله صلى الله عليه وسلم "كتبه الله عليهم فهدانا له" فإن التقدير فرض عليهم وعلينا فضلوا وهُدينا، وقد وقع عند مسلم في رواية سفيان عن أبى الزناد بلفظ "كتب علينا" وقال ابن العربى الجمعة فرض عين بإجماع الأمة، وقال ابن قدامة في المغنى أجمع المسلمون على وجوب الجمعة، وحكى المرعشى عن الشافعى في القديم أنها فرض كفاية، قال الدارمي وغلَّطوا حاكيه (قال النووى) رحمه الله الجمعة فرض عين على كل مكلف غير أصحاب الأعذار والنقص، هذا هو المذهب وهو المنصوص للشافعى في كتبه، وقطع به الأصحاب في جميع الطرق إلا ما حكاه القاضي أبو الطيب في تعليقه وصاحب الشامل وغيرهما عن بعض الأصحاب أنه غلط فقال هى فرض كفاية، قالوا وسبب غلطه أن الشافعى قال من وجبت عليه الجمعة وجبت عليه صلاة العيدين؛ قالوا لأن مراد الشافعى من خوطب بالجمعة وجوباً خوطب بالعيدين متأكداً، واتفق القاضي أبو الطيب وسائر من حكى هذا الوجه على غلط قائله، قال القاضى أبو إسحاق المروزي لا يحل أن يحكى هذا عن الشافعى، ولا يختلف أن مذهب الشافعى أن الجمعة فرض عين، ونقل ابن المنذر في كتابيه كتاب الأجماع والأشراق إجماع المسلمين على وجوب الجمعة اهـ {وفى أحاديث الباب أيضاً} الترهيب من التخلف عن الجمعة وأن من تخلف عنها لغير عذر استحق الوعيد الشديد الوارد فيها من الطبع على قلبه واتصافه بصفات المنافقين وتأخره في الجنة وإن كان من أهلها وكونه من الغافلين عن طاعة الله عز وجل وغير ذلك {وفيها} أن من تأخر عن الجمعة لغير عذر لزمه أن يكفر

الصفحة 27