كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 6)
-[إختلاف العلماء في العدد الذي تنعقد به الجمعة - وترجيح انعقادها باثنين]-
.....
__________
أنها لا تجب على من كان خارج البلد {وفيها أن الجماعة شرط في صحة الجمعة} لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث طارق بن شهاب "الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة" وبه قال جميع العلماء إلا أنهم اختلفوا في العدد الذي تنعقد به الجمعة اختلافاً كثيراً، وسبب اختلافهم عدم ورود دليل صريح في اشتراط العدد {فذهبت الشافعية والحنابلة} إلى أنها تنعقد بأربعين رجلاً بالأمام، وبه قال إسحاق، وهو رواية عن عمر بن عبد العزيز؛ وعنه رواية باشتراط خمسين، واستدلوا بما رواه الدارقطني والبيهقى عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال "مضت السنة أن في كل ثلاثة إمامًا، وفى كل أربعين فما فوق ذلك جمعة وأضحى وفطرًا" لكنه ضعيف ضعفه الحفاظ، وقال البيهقى هو حديث لا يحتج بمثله، واحتج لمن شرط خمسين بحديث أبى أمامة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "في الخمسين جمعة وليس فيما دون ذلك" رواه الدارقطنى باسناد فيه ضعيفات {وذهبت المالكية} الى انعقادها باثنى عشر رجلاً سوى الأمام، وحكاه المتولى عن ربيعة والماوردى في الحاوى، وبه قال الزهرى والأوزاعى ومحمد بن الحسن؛ واستدلوا بما رواه مسلم والترمذى وصححه والأمام أحمد، وسيأتى عن جابر "أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً يوم الجمعة فجاءت عير من الشام فانتقل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلاً" والحديث وإن كان صحيحًا إلا أنه ليس فيه ما يدل على أنها لا تصح إلا بهذا العدد {وذهب أبو حنيفة} والثورى والليث ومحمد الى انعقادها بثلاثة غير الأمام مستدلين بقوله تعالى {فاسعوا إلى ذكر الله} لأن قوله تعالى فاسعوا يقتضى ساعين، وأقل الجمع ثلاثة، وقوله {إلى ذكر الله} يقتضى ذاكرًا يُسعى إليه وهو الأمام؛ وهذا الاستدلال فيه نظر {وذهب الأوزاعى} وأبو ثور وأبو يوسف وهو رواية عن (الأمام أحمد) أنها تنعقد باثنين غير الأمام، واحتجوا بما احتج به أبو حنيفة {وذهب الحسن بن صالح والنخعى وداود} الى انعقادها باثنين أحدهما الأمام، محتجين بأن العدد واجب بالحديث والأجماع، ورأوا أنه لا يثبت دليل على اشتراط عدد مخصوص، وقد صحت الجماعة في سائر الصلوات باثنين، ولا فرق بينها وبين الجماعة، ولم يأت نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الجمعة لا تنعقد إلا بكذا، وهو وجيه ورجحه الشوكانى، وقد ذكر الحافظ في ذلك خمسة عشر مذهبًا، آخرها اشتراط جمع كثير بغير قيد، حكاه الحافظ السيوطى عن مالك (قال الحافظ) ولعل هذا الأخير أرجحها من حيث الدليل اهـ قال الشوكانى لا مستند لاشتراط ثمانين أو ثلاثين أو عشرين أو تسعة أو سبعة كما أنه لا مستند لصحتها من الواحد المنفرد، وأما الاثنان فبانضمام أحدهما إلى الآخر يحصل الأجتماع، وقد أطلق الشارع اسم الجماعة عليهما فقال "الاثنان فما فوقهما جماعة" كما تقدم في أبواب الجماعة وقد انعقدت سائر الصلوات بهما