كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 6)

-[كلام العلماء في عدم إقامة الجالس والجلوس مكانه]-
.....
__________
الإمام أحمد رحمه الله من أربع طرق هذه أجمعها وأجودها ورجاله من رجال الصحيحين {الأحكام} أحاديث الباب تدل على جملة أحكام وآداب تتعلق بداخل المسجد للجمعة والجالس فيه {منها} أن من كان جالساً بالمسجد وغلبه النعاس فليتحول من مكانه الى مكان آخر، وتقدمت الحكمة فى ذلك فى شرح الحديث الأول من أحاديث الباب {ومنها} أن من دخل المسجد ولم يجد مكاناً يجلس فيه لا يجوز له أن يقيم غيره ويجلس مكانه، ولكن يطلب منه التوسعة كما فى حديث جابر وتقدم الكلام عليه فى شرحه، وكذا من جلس فى مكان ثم قام منه لقضاء حاجة ثم يعود إليه فانه أحق به ممن جلس فيه بعد قيامه {لحديث أبى هريرة} رضى الله عنه قال قال رسول الل صلى الله عليه وسلم "إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به" رواه مسلم والأمام أحمد {ولحديث وهب بن حذيفة} رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا قام الرجل من مجلسه فرجع إليه فهو أحق به، وإن كانت له حاجة فقام البهائم رجع فهو أحق به" رواه الترمذى وصححه ورواه الأمام أحمد، وسيأتى هو وحديث أبى هريرة فى باب آداب تختص بمن فى المجلس من كتاب المجالس وآدابها فى قسم الترغيب إن شاء الله تعالى {وقد ذهب الى ذلك الشافعية} والهادوية، ومثل ذلك الأماكن المباحة التي يقعد الناس فيها لتجارة أو نحوها، فان المعتاد للقعود فى مكان يكون أحق به من غيره إلا اذا طالت مفارقته له بحيث ينقطع معاملوه، ذكره النووى فى شرح مسلم، وقال فى الغيث يكون أحق به الى العشىّ، وقال أصحاب الشافعى إن ذلك على وجه الندب لا على وجه الوجوب واليه {ذهب الأمام مالك} قال أصحاب الشافعى ولا فرق فى المسجد بين من قام وترك له سجادة فيه ونحوها وبين من لم يترك، قالوا وإنما يكون أحق به فى تلك الصلاة وحدها دون غيرها، وظاهر حديثي أبى هريرة وابن حذيفة عدم الفرق، وظاهرهما مع حديث جابر أنه يجوز للرجل أن يقعد فى مكان غيره اذا أقعده برضاه، لكن ورد فى رواية للأمام أحمد ومسلم "أن ابن عمر رضى الله عنهما كان إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه" ولعل امتناع ابن عمر عن الجلوس فى مجلس من قام له برضاه كان تورعاً منه، لأنه ربما استحيا منه إنسان فقام له بدون طيبة من نفسه، ولكن الظاهر أن من فعل ذلك قد أسقط حق نفسه؛ وتجويز عدم طيبة نفسه بذلك خلاف الظاهر {ويكره} الأيثار بمحل الفضيلة كالقيام من الصف الأول الى الثانى، لأن الأيثار وسلوك طرائق الآداب لا يليق أن يكون فى العبادات والفضائل؛ بل المعهود أنه فى حظوظ النفس وأمور الدنيا، فمن آثر بحظه فى أمر من أمور الآخرة فهو من الزاهدين فى الثواب، وكل إنسان محتاج الى الثواب مهما كانت درجته {ومنها} عدم جواز التخطى يوم الجمعة وان ذلك حرام يأثم فاعله،

الصفحة 73