كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 6)

-[مذاهب العلماء في حكم خطبة الجمعة - وهل الواجب واحدة أو اثنتان]-
.....
__________
العراقي في شرح الترمذى عن الأئمة {مالك وأبى حنيفة} والأوزاعى وإسحاق بن راهوية وأبى ثور وابن المنذر {وأحمد بن حنبل} فى رواية عنه أن الواجب خطبة واحدة، قال واليه ذهب جمهور العلماء (قال الشوكانى) واستدلوا على الوجوب بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم بالأحاديث الصحيحة ثبوتاً مستمراً أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب فى كل جمعة، قال ومجرد الفعل لا يفيد الوجوب، واستدلوا أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم "صلوا كما رأيتمونى أصلى" قال وهو مع كونه غير صالح للاستدلال به على الوجوب ليس يه إلا الأمر بايقاع الصلاة على الصفة التي كان يوقعها عليها، والخطبة ليست بصلاة، واستدلوا أيضاً بقوله تعالى {فاسعوا إلى ذكر الله} وفعله صلى الله عليه وسلم للخطبة بيان للمجمل وبيان المجمل الواجِب واجبٌ (ورُدَّ) بأن الواجب بالأمر هو السعى فقط (وتعقب) بأن السعى ليس مأموراً به لذاته بل لمتعلقه وهو الذكر (ويتعقب) هذا التعقب بأن الذكر المأمور بالسعى اليه هو الصلاة، غاية الأمر أنه متردد بينها وبين الخطبة؛ وقد وقع الاتفاق على وجوب الصلاة والنزاع فى وجوب الخطبة فلا ينتهض هذا الدليل للوجوب، فالظاهر ما ذهب اليه {الحسن البصرى وداود الظاهرى والحوينى} من أن الخطبة مندوبة فقط، وأما الاستدلال للوجوب بحديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم" رواه أبو داود وأحمد بمعناه، وبحديثه أيضاً عند البيهقى فى دلائل النبوة مرفوعاً حكاية عن الله تعالى بفظ "وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدى ورسولى" فوهم لأن غاية الحديث الأول عدم قبول الخطبة التي لا حمد فيها، وغاية الثانى عدم جواز خطبة لا شهادة فيها بأنه صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله؛ والقبول والجواز وعدمهما لا ملازمة بينها وبين الوجوب قطعاً اهـ {وأما الحمد والوعظ وقراءة شيء من القرآن} فذهبت الشافعية والحنابلة الى وجوبها وزادوا عما فى أحاديث الباب وجوب الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم (قال ابن قدامة فى المغنى) واذا وجب ذكر الله تعالى وجب ذكر النبى صلى الله عليه وسلم لما روى فى تفسير قوله تعالى {ألم نشرح لك صدرك ورفعنا لك ذكرك} قال لا أذكر إلا ذكرت معى، ولأنه موضع وجب فيه ذكر الله تعالى والثناء عليه فوجب فيه الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم كالأذان والتشهد؛ قال ويحتمل أن لا تجب الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يذكر فى خطبه ذلك اهـ {قلت} هذا هو المتعين، وزاد الشافعية وجوب الدعاء للمؤمنين في الخطبة الثانية على أصح القولين عندهم {وذهبت المالكية} والأوزعى وإسحاق وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد وداود الى أن الواجب ما يقع عليه اسم الخطبة وما زاد عن ذلك فهو مستحب {وقال أبو حنيفة} فرض الخطبة تسبيحة أو تهليلة أو تحميدة أو تكبيرة على قصد الخطبة. وعندهما "أعنى أبا يوسف ومحمد" لابد من ذكر طويل يسمى خطبة عُرفاً وهو مقدار ثلاث آيات عند الكرخى، وقيل مقدار التشهد

الصفحة 95