كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 6)
-[مذاهب العلماء في أركان الخطبة وآدابها]-
.....
__________
{وأما الشهادتان} فالجمهور على استحبابهما {وأما القيام للخطبتين} فقد اختلف فى وجوبه، فذهب الجمهور إلى الوجوب، ونقل عن {أبى حنيفة} أن القيام سنة وليس بواجب والى ذلك ذهبت الهادوية، واستدل الجمهور على الوجوب بما فى أحاديث الباب من أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً، وبما أخرجه ابن أبى شيبة عن طاوس قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً وأبو بكر وعمر وعثمان، وأول من جلس على المنبر معاوية، وروى ابن أبى شيبة أيضاً عن الشعبى أن معاوية إنما خطب قاعداً لمَّا كثر شحم بطنه ولحمه (قال الشوكانى) ولا شك أن الثابت عنه صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء هو القيام حال الخطبة، ولكن الفعل بمجرده لا يفيد الوجوب كما عرفت غير مرة اهـ {وأما الجلوس بينهما} فذهبت الشافعية والامام يحيى الى وجوبه مستدلين بفعله صلى الله عليه وسلم وقوله "صلوا كما رأيتمونى أصلى" وتقدم الجواب عن ذلك، وذهب الجمهور الى الاستحباب وعدم الوجوب {وأما عدم تطويلهما} فلا خلاف بين العلماء فى استحبابه، إنما الخلاف فى أقل ما يجزئ وهو مبسوط فى كتب الفقه {وأما اعتماد الخطيب على قوس أو عصا} فذهب الجمهور الى استحبابه، ولكنهم اختلفوا فى أخذه بأى اليدين {فذهبت المالكية} الى أخذه باليد اليمنى {وذهبت الشافعية} الى أخذه باليد اليسرى ويشغل اليمنى بحرف المنبر لاتباع السلف والخلف، فان لم يجد شيئاً من ذلك وضع اليمنى على حرف المنبر وأرسل اليسرى {وقالت الحنفية} يعتمد على سيف بيساره فى كل بلدة فتحت عنوة ويخطب بقوس أو عصا فى كل بلدة فتحت صلحاً {وقالت الحنابلة} يسن أن يعتمد على سيف أو قوس أو عصا باحدى يديه {قلت} لم أقف على شئ من الأحاديث يدل على هذه التفاصيل، والأفضل الأخذ باليمين لما رواه الشيخان والأمام أحمد وغيرهم عن عائشة رضى الله عنها قالت "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن فى ترجُّله وتنعُّله وطُهوره وفى شأنه كله" (قال الحافظ ابن القيم فى الهدى) كان صلى الله عليه وسلم يعتمد على قوس أو عصا قبل أن يتخذ المنبر، وكان فى الحرب يعتمد على قوس، وفى الجمعة يعتمد على عصا، ولم يحفظ عنه أنه اعتمد على سيف، وما يظنه بعض الجهال أنه كان يعتمد على السيف دائماً وأن ذلك إشارة الى أن الدين قام بالسيف فمن فَرْطِ جهلِه، فانه لا يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم بعد اتخاذ المنبر أنه كان يرقاه بسيف ولا قوس ولا غيره ولا قبل اتخاذه أنه أخذ بيده سيفاً ألبتة، وإنما كان يعتمد على عصا أو قوس اهـ {وفى حديث عمارة بن رؤيبة} دليل على كراهة رفع الأيدى على المنبر حال الدعاء وأنه بدعة، ويؤيد ذلك ما رواه البزار والطبرانى فى الكبير والأمام أحمد، وتقدم فى باب التحذير من الابتداع فى الدين رقم 16 من كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة عن غضيف بن الحارث الثمالى رضى الله عنه قال بعث