كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 8)
.
__________
"إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه، والصدقة الجارية كالوقف ونحوه هي من آثار عمله ووقفه، وقد قال تعالى (إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم) الآية والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس بعده هو أيضا من سعيه وعمله، وثبت في الصحيح من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص أجورهن شيئا أهـ (وقال الإمام القرطبي في التذكرة) كان الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه يقول إذا دخلتم المقابر فاقرءوا فاتحة الكتاب والمعوذتين وقل هو الله أحد واجعلوا ثواب ذلك لأهل المقابر فإنه يصل إليهم، وكان رضي الله عنه ينكر قبل ذلك وصول الثواب من الأحياء للموتى، فلما حدثه بعض الثقات أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عند راسه فاتحة الكتاب وخاتمة سورة البقرة رجع عن ذلك (وكذلك بلغنا) عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله أنه كان ينكر وصول ثواب القراءة للموتى ويقول قال الله تعالى "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" فلما مات رآه بعض أصحابه فسأله عن ذلك، فقال رجعت عما كنت أقوله من عدم وصول الثواب إلى الموتى من القارئ حين رأيت وصوله وأنا في القبر، ويؤيد ذلك ما رواه الحافظ السلفي مرفوعا "من مر بالمقابر فقرأ قل هو الله أحد احدى عشرة مرة ثم وهب أجره للأموات أعطى من الأجر بعدد الأموات" (وكان الحسن البصري) رضي الله تعالى عنه يقول من دخل المقابر فقال اللهم رب هذه الأجساد البالية والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة، اللهم فأدخل عليها روحا منك وسلاما مني، كتب له بعددهم حسنات، قال الإمام القرطبي رحمه الله، وقد أجمع العلماء على وصول الصدقة للأموات فكذلك القول في قراءة القرآن والدعاء والاستغفار إذ كل صدقة، ويؤيده حديث "وكل معروف صدقة" فلم يخص الصدقة بالمال؛ وكذلك يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم "الميت في قبره كالغريق المتعوب ينتظر دعوة تلحقه من أبيه أو من أخيه أو من صديق له، فإذا لحقته كانت أحب إليه من الدنيا وما فيها، وإن هدايا الأحياء للأموات الدعاء والاستغفار (وحكى عن الحسن البصري) رضي الله تعالى عنه أن امرأة كانت تعذب في قبرها وكل الناس يرون ذلك في المنام ثم رؤيت بعد ذلك وهي في النعيم، فقيل لها ما سبب ذلك؟ فقالت مر بنا رجل فقرأ الفاتحة وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وأهدى ذلك لنا، وكان في المقبرة خمسمائة وستون رجلا في العذاب فنودي ارفعوا العذاب عنهم ببركة صلاة هذا الرجل على النبي صلى الله عليه وسلم أهـ (قلت) والذي أميل إليه ما ذهب إليه الحافظ ابن القيم وموافقوه (وفي أحاديث الباب أيضا) دليل على أن نذر الكافر بما هو قربة لا يلزم إذا مات على كفره، وأما إذا أسلم وقد وقع منه نذر في الجاهلية ففيه خلاف؛ والظاهر أنه يلزمه الوفاء بنذره، لما أخرجه الشيخان والإمام أحمد.