كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 8)

أبو الدرداء ما قلت؟ قال كنت رجلا معلما، ما عندك من العلم ما ليس عندي، فأردت أن تحدثني بما ينفعني الله به، فلم تزد على إلا قولا واحدا، قال أبز الدرداء اجلس ثم أعقل ما أقول لك، أين أنت من يوم ليس لك من الأرض إلا عرض ذراعين في طول أربعة أذرع، أقبل بك أهلك الذين كانوا لا يحبون فراقك وجلساءك وإخوانك فألقوا عليك اللبينات ثم أكثروا عليك التراب ثم تركوك بمثل ذلك ثم جاءك ملكان أسودان أزرقان جعدان أسماؤهما منكر ونكير فأجلساك ثم سألاك ما أنت أم على ماذا كنت ثم ماذا نقول في هذا؟ فإن قلت والله ما أدري سمعت الناس قالوا قولا فقلته والله لا دريت ولا نجوت ولا هديت، وإن قلت محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد والله نجوت وهديت، ولم تستطع ذلك إلا بتثبيت من الله مع ما ترى من الشدة والخوف (الأحكام) أحاديث الباب تدل على اثبات فتنة القبر والسؤال فيه، وأن السؤال عام يشمل المسلم والمنافق والكافر، وقد ذهب إلى ذلك جمهور العلماء، وزعم بعضهم أن السؤال على من يدعي الإيمان إن محقا وإن مبطلا، وأما الكافر الجاحد فلا يسأل عن دينه، وهو محجوج بقوله تعالى "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين" وبحديث أنس عند البخاري والإمام أحمد وفيه "وأما المنافق والكافر" بواو العطف، وتقدم تحقيق هذه المسألة وذكر الخلاف فيها في باب ما يراه المحتضر الخ صحيفة 84 من الجزء السابع فارجع إليه (واختلف أيضا) في فتنة القبر هل هي للأمة المحمدية خاصة أو لكافة الأمم المتقدمة؟ وتقدم الكلام على ذلك في شرح حديث أبي سعيد المذكور في أحاديث الباب (قال النووي) رحمه الله فإن قيل فنحن نشاهد الميت على حاله في قبره فكيف يسأل ويقعد ويضرب بمطارق من حديد ولا يظهر له أثر (فالجواب) أن ذلك غير ممتنع بل له نظير في العادة وهو النائم فإنه يجد لذة وآلاما لا نحس نحن شيئا منها، وكذا كان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره بالوحي الكريم ولا يدركه الحاضرون، وكل هذا ظاهر جلي (قال أصحابنا) وإما إقعاده المذكور في الحديث فيحتمل أن يكون مختصا بالقبور دون المنبوذ ومن أكلته السباع والحيتان، وأما ضربه بالمطارق فلا يمتنع أن يوسع له في قبره فيقعد ويضرب والله أعلم أهـ (وفي أحاديث الزوائد) ما يستدل به على أن اسم فتاني القبر منكر ونكير (قال القرطبي) فإن قال قائل فلم يسمي فتانا القبر بمنكر ونكير (فالجواب) أنهما سميا بذلك لأن خلقهما لا يشبه خلق الآدميين ولا خلق الملائكة ولا خلق البهائم ولا خلق الهوام، بل هما خلق بديع لا يأنس بهما أحد من الناظرين، ولكن الله تعالى يخلق عندهما اللطف والرحمة والستر للمؤمن فضلا منه تعالى

الصفحة 117