كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 8)

مشتملا بثوبه محمرة عيناه وهو ينادي بأعلى صوته أيها الناس أظلتكم الفتن كقطع الليل المظلم أيها الناس لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا
__________
ولم يعلم عائشة فجاءت اليهودية مرة أخرى فذكرت لها ذلك فانكرت عليها مستندة إلى الإنكار الأول، فأعلمها النبي صلى الله عليه وسلم بأن الوحي نزل بإثباته أهـ. ويستفاد من حديث عائشة المتقدم في الجزء السادس رقم 1694 صحيفة 198 من أبواب صلاة الكسوف ف باب من روى أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بحكم عذاب القبر إلا وهو بالمدينة في آخر الأمر، ولفظ الحديث عن عائشة رض الله عنها قالت جاءتني يهودية تسألني فقالت "أعاذك الله من عذاب القبر" فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قلت يا رسول الله أنعذب في القبور؟ قال عائذ بالله، فركب مركبا فخسفت الشمس، ثم ذكرت صفة صلاة الخسوف - ثم قالت فسمعته بعد ذلك يستعيذ بالله من عذاب القبر (وفي رواية للبخاري) ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر" فثبت أن صلاة الخسوف كانت بالمدينة بل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعام أو عامين (فإن قيل) إن عذاب القبر جاء في آيتين من كتاب الله نزلنا بمكة (أحدهما) قوله تعالى "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة" (والثانية) قوله عز وجل "النار يعرضون عليها غدوا وعشيا - الآية" فكيف لم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بحكم عذاب القبر إلا بالمدينة في آخر أمره (وأجاب الحافظ) عن ذلك بقوله إن عذاب القبر إنما يؤخذ من الأولى بطريق المفهوم في حق من لم يتصف بالإيمان، وكذلك بالمنطوق في الأخرى في حق آل فرعون وإن التحق بهم من كان له حكمهم من الكفار، فالذي أنكره النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو وقوع عذاب القبر على الموحدين، ثم اعلم صلى الله عليه وسلم أن ذلك قد يقع على من يشاء الله منهم، فجزم به وحذر منه وبالغ في الاستعاذة منه تعليما لأمته وإرشادا، فانتفى التعارض بحمد الله تعالى أهـ. (1) كان صلى الله عليه وسلم تحمر عيناه ووجنتاه من شدة الغضب في خطبه عند التحذير وذكر الساعة ليتأثر السامعون، فينبغي لكل خطيب أن يكون كذلك (2) يشير صلى الله عليه وسلم بذلك إلى ما سيحدث بعده من الفتن وقد كان كما قال (3) أي من عقاب الله للعصاة وشدة مناقشته للعباد وكشف السرائر وجواب لو "قوله لبكيتم كثيرا أو ضحكتم قليلا" والمراد أن كل من كان بربه أعرف كان من ربه أخوف، ومن علامة شدة الخوف ودوام انزعاج القلب لتوقع ما يستوجبه من العقوبة لما يأتيه من الجرم وتحول البدن والخشية والبكاء (قال الشيخ أبو حامد) هذا الحديث من الأسرار التي أودعها الله في قلب الأمين الصادق محمد صلى الله عليه وسلم ولا يجوز إفشاء سرها، فإن صدور الأحرار قبور الإسرار، بل كان يذكر لهم ذلك حتى يبكوا

الصفحة 120