كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 8)

__________
بإسناد جيد. قال تعالى "وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" قال وسمعت أبا عبد الله يقول نؤمن بعذاب القبر ومنكر ونكير، وأن العبد يسئل في قبره فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة في القبر (وقال أحمد بن القاسم) قلت يا أبا عبد الله تقر بمنكر ونكير وبما يروى في عذاب القبر؟ قال سبحانه نعم، نقر بذلك ونقوله قال (يعني الحافظ بن القيم) واعلم أن عذاب القبر هو عذاب البرزخ، فكل ميت أراد الله تعذيبه ناله ما أراده به قبر أو لم يقبر، ولو صلب أو غرق في البحر أو أكلته الدواب أو أحرق حتى صار رمادا وذرى في الريح، فسبحان ذي القدرة الشاملة والعظمة الباهرة الكاملة (وأما) محل العذاب فالروح والبدن جميعا لاتفاق أهل السنة، فإذا مات العبد تبقى روحه منعمة أو معذبة تارة منفردة عن البدن إلا عند من شدد فقال إنما الروح الحياة ولا تبقى بعد فراق البدن، وتارة تتصل به وهو متصل بها فيكون النعيم والعذاب عليهما في هذه الحالة مجتمعين، وهل يكون النعيم والعذاب للبدن بدون الروح؟ فيه قولان مشهوران لأهل الحديث وأهل الكلام (والحاصل) أن مذهب سلف الأمة أن المرء إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحيانا يحصل له معها النعيم أو العذاب، فإذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد، وجميع هذا ثابت بالكتاب والسنة واتفاق الأمة، ومعاد الأبدان متفق عليه بين أهل الشرائع؛ المسلمين واليهود والنصاري، وإنما أوقع من أحال عذاب القبر في الضلال قياسهم غيب المآل على شاهد الحال؛ والجواب عن شبههم أنا نعلم أن الرسل صلوات الله عليهم وسلامه لم يخبروا بحيلة العقل، غاية ما يقال أنهم يخبرون بما لا تدركه العقول بمجردها كالغيوب من تفاصيل البرزخ واليوم الآخر والثواب والعقاب، ولا يكون خبرهم محالا في العقل أصلا، بل كل خبر يظن أن العقل يحيله فلا يخلو من أمرين (أحدهما) أن يكون كذبا عليهم (والثاني) أن يكون ذلك العقل فاسدا، قال الله تعالى "أفمن يعلم أن ما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى" وهذا ينفع بأمور ملاكها أن تمعن النظر في السنة مع التلبس بأثواب الافتقار والتضرع للملك الجبار حتى تفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مراده من غير غلو ولا تقصير، فلا تحمل كلامه ما لا يحتمله ولا تخرج به عن مراده، وقد حصل بإهمال ذلك من الضلال ما لا يعلمه إلا الله، وسوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة، بل أصل كل خطأ في الأصول والفروع لا سيما إن أضيف إليه سوء القصد، وإنك ربما مررت على الكتاب من أوله إلى آخره فلا تجد صاحبه فهم عن الله ورسوله مراده كما ينبغي في موضع واحد، وهذا إنما تعرفه إذا عرضت الآراء على ما جاء به الرسول؛ وأما من عكس هذا الأمر فعرض

الصفحة 138