كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 8)

.
__________
ما جاء به الرسول على ما اعتقده مما قلد فيه من أحسن الظن فهو في الضلال لا ينفعه جدال فقد يتفق الغلط من المتبوع فيتبعه مقلده إحسانا للظن أو لسوء قصد، نسأل الله العافية من ذلك وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا إلى أحد من خلقه إنه حسبنا ونعم الوكيل.

وقد ذكر الحافظ ابن القيم هنا أمورا مهمة آثرت نقلها لأهميتها وهي (الأمر الأول) أن الله جعل الدور ثلاثة. دار الدنيا. دار البرزخ. دار القرار، وجعل لكل دار أحكاما تختص بها؛ وركب هذا الإنسان من بدن ونفس (وجعل أحكام دار الدنيا) على الأبدان، والأرواح تبعا لها، ولهذا جعل الأحكام الشريعة مرتبة على ما يظهر من حركات اللسان والجوارح وإن أضمرت النفوس خلافه (وجعل أحكام البرزخ) على الأرواح والأبدان تبع لها، فكما تبعت الأرواح الأبدان في أحكام الدنيا فتألمت بألمها والتذت براحتها وكانت هي التي باشرت أسباب النعيم والعذاب. تبعت الأبدان الأرواح في القبور في نعيمها وعذابها؛ والأرواح حينئذ هي التي تباشر العذاب والنعيم، فالأبدان هنا ظاهرة، والأرواح خفية والأبدان كالقبور لها، والأرواح هناك ظاهرة، والأبدان خفية في قبورها تجري أحكام البرزخ على الأرواح فتسري إلى أبدانها نعيما وعذابا كما تجري أحكام الدنيا على الأبدان فتسري إلى الأرواح كذلك (وجعل أحكام الدار الآخرة) على الأرواح والأبدان معا، فأحط بهذا الموضع علما يزل عنك كل إشكال، وقد أراك الله تعالى نموذجا في الدنيا من حال النائم، إن ما ينعم به أو يعذب يجري على روحه أصلا، والبدن تبع له، وقد يتعدى أثره إلى البدن تأثيرا مشاهدا، فيرى النائم أنه عذب أو نعم فيصبح وأثر ذلك في جسمه ونحو ذلك (ذكر الحارث بن أسد المحاسبي) وأصبغ وخلف بن القاسم وجماعة عن سعيد بن سلمة قال بينما امرأة عند عائشة إذ قالت بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا أشرك بالله شيئا ولا أسرق ولا أزني ولا أقتل ولدي ولا آتي ببهتان افتريه بين يدي ورجلي ولا أعصي في معروف فوفيت لربي، فوالله لا يعذبني الله تعالى، فأتاها في المنام ملك فقال كلا، إنك تتبرجين. وزينتك تبدين، وخيرك تكدرين. وجارك تؤذين. وزوجك تعصين، ثم وضع أصابعه الخمسة على وجهها فقال خمس بخمس، ولو زدت زدناك، فأصبحت وأثر الأصابع على وجهها (وقال بد الرحمن ابن القاسم) صاحب مالك سمعت مالكا يقول إن يعقوب بن عبد الله بن الأشج كان من خيار هذه الأمة نام في اليوم الذي استشهد فيه فقال لأصحابه إني قد رأيت أثرا ولأخبرن به، إني رأيت كأني أدخلت الجنة فسقيت لبنا، فاستقاء فقاء اللبن واستشهد بعد ذلك (قال ابن القاسم) وكان في غزوة في البحر بموضع لا لبن فيه، وقد سمعت غير مالك يكره ويذكر أنه معروف، فقال إني رأيت كأني أدخل الجنة فسقيت فيها لبنا، فقال له بعض القوم

الصفحة 139