كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 8)
.
__________
أقسمت عليك ألا تقيأت، فقاء لبنا يصلد وما في السفينة لبن ولا شاة إلى (يصلد أي يبرق) وذكر مسعدة في كتابه) عن ربيع بن يزيد الرقاشي قال أتاني رجلان فصعدا إلي فاغتابا رجلا فنهيتهما، فأتاني أحدهما بعد ذلك فقال إني رأيت في المنام كأن زنجيا أتاني بطبق عليه جنب خنزير ولم أر لحما قط أسمن منه فقال لي كل، فقلت آكل لحم خنزير؟ فتهددني فأكلت فأصبحت وقد تغير فمي، فلم يزل يجد الريح في فمه شهرين (قال الحافظ ابن القيم رحمه الله) وأعجب منه ذلك أنك ربما رأيت النائم يقوم ويضرب ويبطش ويتكلم كأنه يقظان وهو نائم لا شعور له بشيء من ذلك، لكن الحكم لما جرى على الروح استعانت بالبدن من خارجه ولو دخلت فيه استيقظ، فإذا كانت الروح هنا تتألم وتتنعم فيصل ذلك إلى البدن بطريق الاستتباع، ففي البرزخ أقوى، فإذا كان يوم الحشر صار الحكم على الأرواح والأجساد معا كل منهما أصل في ذلك، ومتى أعطيت هذا الموضع حقه لاحت لك أسرار أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر ونعيمه، ومن أشكل عليه شيء من ذلك فمن غلظ كبده ورداءة فهمه ونقده، (واغرب من ذلك) أنم ترى النائمين في فراش، هذا روحه في نعيم وهذا روحه في عذا، وربما استيقظا أو أحدهما وأثر ذلك موجود ولا شعور لأحدهما بما فيه الآخر (الأمر الثاني) أن الله تعالى حجب أمر الآخرة وما كان متصلا بها عن إدراك المكلفين في هذه الدار، وذلك من كما لحكمته ليتميز المؤمنون بالغيب عن غيرهم، فأول ذلك نزول الملائكة على المحتضر على الهيئات التي تقدمت في الأحاديث، وقد يسلمون عليه فيرد عليهم بلفظهم أو إشارته، وربما سأل من عنده عنهم من أين هؤلاء الرجال الحسان أو نحو ذلك، وكل من امتدت حياته في هذه الدار رأى من ذلك ما يغنيه من الأخبار، ويكفي من ذلك قوله تعالى "حتى إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون" أي أقرب بملائكتنا ورسلنا وغير ذلك من قبض الروح وخروجها والشعاع الذي يخرج معها والريح الطيب أو الخبيث وهو غير مرئي لنا ولا محسوس وهو في هذه الدار، ثم تأتي الروح فتشاهد غسل الميت وتكفينه وحمله (روى البخاري) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت يا ويلها أين تذهبون، بها يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، وقد ثبت نحو هذا في هذه الدار واطلع الله عليه بعض من اختار، فهذا جبريل كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم ويتمثل له رجلا يكلمه تارة بكلام الرجال وتارة مثل صلصلة الجرس ويدارسه القرآن؛ ويشاهد الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم من الأحوال الاضطرارية الطبيعية ما يعلم بها مجيئة إليه قطعا من غير إخبار، ولا يسمعون كلامه ولا يرون شخصه، وربما رآه